الفيشطة
تعريفها كما ورد في” معجم الكلمات والتقاليد بصفاقس ” للدكتور علي الزواري والأستاذ يوسف الشرفي :
فيشطة 1_ من الأسبانية Fiesta أي العيد ولها نفس المعنى عند العامة .
2_ الاحتفال بحدث سعيد .
3_ العطلة .
والفيشطة في أذهاننا نحن التونسيين تعني الاحتفال بنهاية السنة الدراسية وتوزيع دفاتر المراسلة والجوائز على الثلاثة الأوائل . يوم 30 جوان من كل سنة هو يوم الحساب والعقاب، والسعيد هو من يحرز على طاريفة الحاكم Tarif أي 5 من 10 فينجو من الرسوب ( مدوبل) أو يقفز على منطقة الإسعاف بحكم العمر أو تزكية المعلمين . ولعل القراء من أبناء جيلي أي منذ خمسين سنة وأكثر بقليل يذكرون بعض العبارات المتداولة حينها مثل وصف الراسب / المدوبل بالسردينة والناجح ولو بإسعاف بوڨا ( سمك) ! ولا أعرف سببا لهذين الوصفين من عالم الأسماك وكلاهما من السمك الأزرق . ربما لأن السردينة في ذلك الزمن ثمنها بخس يقدر عليه الزوالي و يشبع جوعه منها مقلية خاصة بالزيت المخلط ( زيت الصوجا) .أقول ربما ..
نهار الفيشطة مميز مثل يوم العيد . نتخلص فيه من الميدعة ( كنا نسميه المئزر) ونلبس الجديد ما أمكننا ذلك وننتعل صندلا أو شلاكة و نتعطر إن أمكن . مشهد مهيب ترى فيه بعض القلوب لدى الحناجر كمن سيأخذ كتابه بشماله وترى فيه وجوها نضرة لسعيها راضية . مشاعر مختلطة تتأرجح بين الخوف والرجاء وبين الأمل واليأس . الناجحون يعرفون أنفسهم وأولياؤهم مطمئنون عليهم و المتأرجون ( في الدرجيحة) يحملون همهم وهمّ أوليائهم الذين تكبدوا مصاريف لا بأس بها رغم مجانية التعليم . بعض العائلات تشهد طفرة في النجاح والتألق وبعض العائلات تعاني من كارثة الرسوب و الناجح من أبنائها يمجَّد حتى لو ارتقى بإسعاف فمابالك لو نجح بمعدله أو أظهر تميزا وهذا قد يحصل وإن ندر .
كيف كنا نستعد لهذه الفيشطة ؟
في هذا اليوم يشارك كل تلميذ بما يقدر عليه ويجود الفقير بما عنده ! لم نكن نتنافس من أجل الأغلى ولا نزدري الأرخص لأننا نأكل جميعا مما جلبناه في كنف العدل والمساواة ما استطعنا لذلك سبيلا .
ماذا نجلب معنا؟
كلّ قدير وقدره . يحفل مكتب المعلم الذي يتحول إلى طاولة لعرض المجلوبات : قازوز ( قوارير بلورية) و بسكوي السيدة و بسكوي فرنك و الغلال : مشماش وتفاح عربي و إجاص صغير عربي و خوخ ماء و بيثر و لوز أخضر و فقوس . و بعض العائلات ترسل مع أبنائها خبزة بشكوطو ( خبزة قطو) التي كانت تصنع في ( الفورمة) . ولا أذكر جلب الملفاي أو ما شابهه من الحلويات السوقية .
من يشرف على هذه الحفلة في كل قاعة
مشغولة في صباح ذلك اليوم ؟ الفتيات المكتملات بدنيا والناضجات والحكيمات كن يكلفن بالإشراف على تزيين مكتب المعلم و توزيع ما لذ وطاب على التلاميذ و توزيع ما تيسر على المعلمين والمعلمات إكراما لهم . وللاسف لم تكن تخلو هذه المناسبة من خسائر مادية ( شقوفات القازوز) و أحيانا بعض الجروح بشظايا الزجاج من كسر القوارير . و للعلم فإن القارورة التي تكسر كلها أو فوهتها يغرّم صاحبها بدفع مثل ثمنها مملوءة وكنا نسميه ( الضمد) .وأذكر ثمن قارورة القازوز الصغيرة 25 مي وإذا كان التاجر طيبا فإنه يتنازل عن الضمد ما لم تتكسر القارورة .وللتذكير كنا نعرف من القازوز ( الكوكا والفانتا و البوقا و المدب و المسدي …)
كنا نشعر بفرحة الفيشطة في كل البيوت و الدكاكين و الطريق والمدرسة . في ذلك اليوم نرى المدير والمعلمين يبتسمون ويضحكون ويتبادلون النكت والطرائف على غير عادتهم . يوم عيد حقا بعد جهاد سنة دراسية كاملة بضعوطات التدريس وانتظار المتفقد وما أدراك ما المتفقد !
وفي أعقاب الحصة الواحدة يومها توزع الدفاتر و اللي حج حج واللي عوّق عوّق!
كل واحد يفرح بنجاحه إن نجح أو يحزن لفشله ورسوبه إن رسب . وما أشد وطأة السؤال: بوقا والا سردينة !؟ موقف لا يحسد عليه المستمر خاصة إذا كان ينتظر عقوبة من أبيه و تعزيرا من أقرانه و أقاربه وكل من يعرفه . وللأسف كانوا يجعلون من تلك العبارة أهزوجة للاستهزاء والتحقير ( ويك ويك يا سردينة ! ) وتخيلوا ما قد ينتج عن ذلك من خصومات وصراعات دفاعا عن النفس . وكم خصومة نشبت بين الكبار بسبب هذا التعزير و حصلت قطيعة .وبالنسبة إليّ شخصيا لا أذكر بهجة يوم 30 جوان إلا وأنا بالسنة الرابعة وهي من السنوات التي أحببت فيها الدراسة على أيدي معلمي الغالي رشيد دربال وأنيستي فوزية بالحاج ( معلمة الفرنسية ). في تلك السنة نجحت بمعدل يقرب من 6 من 10 .
كنت متوسطا ولكني كنت مؤمنا بحقي في التعلم والنجاح والحمد لله .
الفيشطة يوم من الزمن الجميل بيراءته و تقديس التعليم والتعلم .
كل عام ونحن نحتفل بنهاية السنة الدراسية ونحيي سنة الفيشطة و أجواءها المرحة .