خبز العيد و أشياء أخرى
مازلت أحملكم معي ، إن شئتم ، إلى مرتع الصبا و زمن الطفولة . تلك عهود عذبة مازالت نكهتها بين أسناني . العيد كان أكثر من حدث ننتظره بشوق وعلى أحرّ من الجمر . كانت أيام رمضان تطول و استمتاعنا بها يزيد يوما بعد يوم .
لماذا كنا ننتظر عيد الفطر بعد رمضان ؟ الطفل منا في ذلك الزمن يفرح بحلويات العيد و بالملابس الجديدة وباللعب الخاصة بالعيد ( النفاخة : أمبولة و الزمارة و المفرقعات العادية ( تكتاك ) و الفرد ( مسدس) و النوڨة والحلقوم و خبز العيد والشرمولة في عادة أهل صفاقس ومعها الحوت المالح و الشروبو و الروزاطة ).
أما خبز العيد فله في ذاكرتي سجل حافل . عرفته في كوشة الحفارة التي كانت على ملك المرحوم علي عبيد . في أوائل السبعينيات من القرن الماضي كانت الكوشة تستعد لخبز العيد قبل يومين .ومما أذكره أنهم كانوا يملكون سيارة ( 4L) يملؤونها بخبز العيد لبيعه في الأرياف التابعة لولاية صفاقس . وقبل ذلك بيوم أو يومين تنزل الأطباق من (السدة) و تغسل . كانوا يصنعون خبز العيد من ( الفارينة) أصغرها 1 كيلوغرام و أكبرها 3 كلغ . وكنا نقول خبزة بو كيلو أو بو زوز كيلو أو بو ثلاثة كيلو . لا أذكر سعر الكيلو آنذاك .في البداية كان شراء خبز العيد مهمة أبي ثم ولما كبر أخي الأكبر كلفه أبي بنيابته في شراء الخبز . وكم كانت فرحتي كبيرة إذا اشترينا ربعا من خبز العيد قبل صباح العيد وكأننا نستبق أجواء العيد !
في نفس الفترة مازالت عائلات كثيرة في صفاقس خاصة في الثنايا البعيدة والتي لا توجد فيها إلا الكوشة العربي ( التقليدية :بيت نار تحمى بالصريع و بقايا الخشب أو ما شابه ذلك ) . كانت كل عائلة تملك طبقا كبيرا توضع فيه عجينة خبز العيد التي تعد في البيت (سميد و حفنة فارينة تعطي العلك و بعض الزعفران أو الكركم و السينوج و البسباس وحبة الحلاوة و السمسم و زيت الزيتون والملح والمسكتة ) و تزيّن الخبزة بزينة تكون علامة على خبزة دار سي فلان عوض كتابة اسم سي فلان . والجميل في الأمر هو أن كل واحد يعرف خبزته ولا يخطئ في تمييز طبقه و صنعة عائلته .و من العلامات استعمال الحمص على سطح الخبزة في تشكيلة خاصة و مميزة .
أما المشاريب فالأغلب السائد فيها شراب اللوز ( الروزاطة / اللوزاطة) و شراب النعناع الأخضر ( المحرحر) وشراب الورد .
والوالدة رحمها الله كانت بارعة في شراب الورد تحديدا . وقديما كانت بعض العائلات تصنع شراب اللوز بطريقة تقليدية وتحتاج فيه إلى حفنة من اللوز المر الذي أصبحنا نفتقده هذه الأيام .
هل تذوقتم شراب النعناع بالبوڨا البيضاء ؟ شيء من فوق الخيال . كم كان يلذ لنا خلط المشاريب التي لا يغيب عنها المشروبات الغازية المعبأة في قوارير بلورية ( الفانتا والكوكا و الميراندا والبوڨا البيضاء والبوڨا سيدر و السينالكو و ڨازوز المدّب والسافن آپ cruch و قازوز المسدي و orangina ….) كنا نحن الأطفال نصنع أجواء العيد للكبار في عائلات معدل الأبناء فيها ستة تقريبا وكانت الكثرة تصنع البركة .
وتكتمل أجواء العيد بصلاة العيد و تبادل التهاني بين الأهل الأجوار والأجوار من غير الاهل ثم يحين موعد شقان الريق ( فطور صباح عيد الفطر) شرمولة وحوت مالح وخبز عيد و ڨازوز إلى حد التخمة عند البعض .
ومنذ عقدين على الأقل تنوعت مذاقات خبز العيد وقلت نكهة زمان وحلت محلها نكهات جديدة حتى لكأننا أحيانا نأكل خبز مرطبات.
وللحديث بقية وكل عام وأنتم بخير