صرخة في واد
منذ انبثقتُ – أنا – وعانَقتُ الوجود أدمنت تحليق القَطا والنّسر واليمامة، مارستُ فن الحياة بشَدْو وابتسامة، وطردت من عُمق ذاتي آفة الجُمودْ.. من بُهرة الفجر إلى غسق اللّيل.. حتى اللحودْ.
آمنْتُ دونما شكوى ولا أنينْ بأننا في كبَدٍ خُلقنا1 وكُلّنا منذ الأزل ما انعتقنا ! ! – تقول اللوحة للمسمار لماذا تشقّني ؟ ! وجوابُه دومًا.. اسألي من يدُقّني ! ! تِلكم هي الحقيقة.. عن واحدٍ من أسرار الخليقة إذا لا مَلامة فقط نسأله السّلامة !
أرى الجميعَ حولي في لُجّةِ الإعصار.. والورى – كل الورى – في فِجاج الرّياحْ – يبُح صوتي في مناداة الرّفاقْ: شُدّوا على المقاذِفِ رغم هُوج البحار، وهلمّوا أبُح لكم بسرّ فك الوثاق: (إنّ في ذات كلِّ منكم روحَ ملاحْ) فعلامَ الخنوعُ والنّواحْ ؟ وإلى متى تغافلون عن (حيّ على الفلاحْ) ؟
في الغاسقِ إذا وقبْ أبالسة بكم يتربّصونْ. ترونهم الأعلوْنَ وتأسفونْ، لأنّكم الأسفلونْ – في الرافديْن، وفي صفدٍ وحيفا وغزةْ.. ألم يقل ربّكم في “الكتاب” إنكم أهل عِزّةْ ؟ فعلامَ الانتظارْ.. وسكرات الاحتضار ؟
يا أنتَ يا (كونتاكونتي)2 سرْ لا التفاتْ.. إمرِدْ بالرّكبتين وبالمرفقين على شوك القتَادْ – إنّ ما مضى خلفكَ فات، والعمُّ “سام” يسومك سوء العذاب، ويريق منك الدمَ رغم العناد.. بكلّ ماله من عَتاد. فكمْ من (ماكاك)3 قاومَ قبلَك ماتْ !
إنسَ إذُا، وانغمس في الدنيا الجديدة، في جنّة (كُولمبو) السّعيدة. فما ضرّ لو امتصّت رحيقَ شبابكْ.. حقولُ – فلوريدا ؟ – سِمادُها أنتَ وأترابك، العائشون على الفُتات.. ولا نجاة ! !
سَتعْتاد يا – كُونتاكونتي – على بيض الخُدود ! وسوف الجدُودْ، وصبايا – الكيكويُوس 4 – عاريات النُّهود… والنّفخ في قُرون الأوعالْ، وعجائب الأنهار والأدغال.. وستلقى هناكَ بقايا رَعاعِ الجُلود الحُمر، يواسونك بـ: إخرَسْ قُضيَ الأمر !
لا عليك يا أيّها الشقيّ ! سيأتي بعدكَ رهْط من الشرق الأبيْ ينبهرون بالأوديسا 5 وأفلاطون – آباؤُهم السّكارَى برُباعيات الخيّام.. تحت الخيام، وأحفادهم سيتقاتلونْ.. في الـ (سوبرماركت) على حشو البطون.. ولعق الصُّحون واحتضان الهيفاءات زُرقِ العيون – يا لَقومٍ يرقوْن نحو القِممْ، ويا لامّةِ ضحكت من جهلها الأممْ ! !
لا بأس لا بَأس، ها نحن في انتظار المهديّ وعودة المسيح.. في شوقٍ للرّصْد الجهوي، يُبشر بهبةِ ريح. نجترّ ملاحمَ “هوميروس”5 ونستجير ضدّ عدوّنا بفيتو الصين والرّوس. من هناك.. من مجلس اللّئام. لا بأسَ ولا ملامْ.. ما دمنا نردّد معا في بؤْسٍ على الدنيا السّلام ! يا سلامْ ! !
أولادنا.. أكبادنا.. لهم جَرْعتهم من الأفيون، وبعثٍ جديد للبيتْلزْ ومايكل جاكسون.. يمارس بعضهم طقوس (عبدة الشيطان) – أتُرى المارد الجبّار فينا تحطّمْ ؟ وهاسمنا 6 – ويحَنا – قد تهشّمْ ؟ أم تُرانا انجرفنا إلى بروتوكل صُهيون ؟ يا قومُ ألا تخجلون.. متى تستيقظون ؟
لا ترجموني.. بل صدّقوني ! أنا الآن من طلوع الشّمس حتى عناق الوسادة، مدمنٌ على جَرعاتي من الغبا والرداءة، وفضائع الارهاب والاغتصاب و(الحَرقة) وقاموس البذاءة.. مكتوبة عليّ كلّها كفروض العبادة – يقذفني بها رهط من أبناء القبيلة ! ! ألا مفر لترياق ألا ملاذ لحيلة ؟ أجل واحُرقتي أين هي الحصيلة ؟
لا وكلا، ألف لا وكلاّ ! ! مُحالٌ على سالمٍ وسلمَى أن يُذلاّ.. ما دام في أمّتي للمجدِ مَنْزَعْ، ومازال فيها عرق نابض ليس تخضع وتخنع. لا ولن تستكين.. لمن تلّها للجبين.. ولَشفرة السكّين !
لو نكفّ عن البكاء على الطّلل لنعالج مواطن الوهن والزلل. لو ننسى – فرديناند 7 وبني الأحمر ! ! ونؤجل النهود والأرداف، وبطولات سيف بن ذي يزن 8 وعنتر ! ! والخوارجَ والشيعةَ والحلاّج 9 ! وحكايا ألف ليلة وسطوة الحجّاج: لو دعونا الشباب ضاربي صدورهم والقارعين بالسلاسل ظهورهم أسًى على مقتل الحسين الشهيد، والذهاب توا للابتكار والعمل المفيد.. لنشدّ الرحال إلى فجرنا الأبهر، بصدق النوايا ودقّة الأهداف.. قبل أن ينفردوا – هم – باللالي، ويُلقوا إلينا بالأصداف !
بَنيّ وإخواتي الكرام: كسّروا القيودَ وحطّموا الأصنام.. وأرضعوا مواليدكم لبان الحرم والأقدام. كرهوا لهم الميوعة والكسل وأنشؤوهم على قدميه العمل – ونبذ أقل جهد والسهولة. ثبتوا في الصّبايا قيم الكرامة، وفي الفتيان معاني الرجولة، حتى لا تطأنا جميعا النّعال والأقدام.
افتحوا نوافذ الحرية لسُلالة النوارس، يا ذوي الرّياض والمدارس، وحصّنوهم بأخلاص الفوارس، وبثّوا فيهم الطموح إلى عَنان السّحاب، وأعدوا لغد صفوة الشباب.. ولنؤسس معا منظومة تربوية، وطنية السياق وثقافة كونية المذاق.. مع الحذر من التقليد المقيت والانزلاق !
إياكم و (تدوينات) الشتيمة، والانجراف إلى لُعب الموت والعادات الدنيئة والوقوع في براثن الجريمة. دعوا خطاب العنف والكراهية… تنادَوا: لا استبداد نهائيا على الشعوب، ولا عِقال بعد اليوم على العقول.. قولوا اللاّهثين على الفُرص الخسيسة الآن لا تنطي ويُمنع الرّكوب ! وأعدّوا للزاحفين عُدّة الوصول.
لا خضوع بعد اليوم لفرعون أو خليفة، ولا خنوعَ – إطلاقا – للقوى الحليفة – قفوا بالوفاق لأفق جديد.. بعزم كالحديد.. وإلا، فالضياعَ الضياع، وقولو لأمانيكم: الوداعَ الوداع.
بقلم أحمد العموري
1 الكبَد: العَناء والجهد
2 كونتاكونتي: زنجي كينيّ شابّ من العبيد المرحّلين إلى أمريكا تمرّد على سيّده فسامه العذاب وقصّته شهيرة
في العالم
3 مكاك: القرد في إفريقيا وبهذا اللفظ يعيّر البيض عبيدهم الزنوج
4 الكِيكُويُوس: قبيلة من كينيا خرجت منها حركة المقاومة: الماوماو (1952-1956) ضد الإدارة البريطانية
والأقلية البيضاء
5 صاحب الأوديسا والإلياذة أساطير كتبها الشاعر اليوناني هومِيروس في القرن 9 – ق.م
6 هاشِمُنا: إشارة رمزية إلى أصل نبيل… إلى هاشم بن عبد مناف من سادة قريش من جدود محمد صل الله عليه
وسلم
7 فرديناند: ملك قشتالة أحد غرناطة من العرب بالتعاون مع الأمير محمد الخائن آخر أمراء بني الأحمر وبذلك سقطت الأندلس وقد هاجر محمد الخائن بعد أن تنكّر له فرديناند إلى افريقية حيث قضى بقية أيامه في الفقر
والاستجداء
8 سيف بن ذي يزن: ملك عربي حميريّ طرد الاحباش من اليمن بمساعدة كسرى له سيرة شعبية مشهورة
كسيرة بني هلال
9 الحلاّج من أشهر المتصوّفة، اتّهم بالزندقة فحُكم عليه بالقتل