“دار و برج ذاكرة صفاقس” كتاب فني فاخر صادر عن دار محمد علي يساهم في المحافظة على التراث والذاكرة الجماعية
“دار وبرج ذاكرة صفاقس” كتاب فني فاخر في شكل مجلد، من تأليف عائدة سلامي زحاف وسامية السماوي تركي صدر هذه الأيام عن دار محمد علي الحامي للنشر.
هذا الإصدار الجديد يتضمن 412 صفحة تراوح بين التعريف بديار المدينة والأبراج في صفاقس مع 300 صورة متميزة وكبيرة الحجم بعدسة المصور “بيار قاسان”. كما تضمن الكتاب 40 شهادة حية لعدد من أفراد العائلات التي لا تزال تملك بعض هذه الأبراج والديار علاوة على ورقات تتضمن قراءات لباحثين ومختصين في التراث منهم مدير المعهد الوطني للتراث فوزي محفوظ الذي تناول تاريخ مدينة صفاقس والأسس المعمارية بها” وعبد الواحد المكني الذي تطرق إلى أهمية الأبراج والديار من خلال تناوله “الأصل والفصل في تاريخ عائلات صفاقس”. وتحدث فاخر الخراط في هذا المؤلف عن تطور عمارة الأبراج والديار في صفاقس ووعي الناس بحمايتها، فيما استعرض ناصر البقلوطي تاريخ الديار بصفاقس.
هذا الكتاب الفني هو الأول من نوعه في رصيد دار محمد علي الحامي للنشر التي ستحتفي في الأيام المقبلة بمرور 40 سنة على تأسيسها، وقد كشف مؤسسها النوري عبيد لوات بالمناسبة عن اعتزامه إصدار كتاب فني آخر حول الجامع الكبير بصفاقس. ولتقديم إصدار “دار وبرج”، عقد بيت الرواية لقاء أوضحت في مستهله مديرة البيت آمال مختار أنه يندرج ضمن سلسلة ندوات “الحكاية والعمارة” حضره جل المساهمين في هذا العمل ومجموعة من الكتاب والمثقفين والمهتمين بالثقافة والتراث وخاصة تراث مدينة صفاقس.
وفي كلمة بالمناسبة اعتبر سفير تونس السابق لدى اليونسكو غازي الغرايري، الذي تولى تقديم المؤلف، أن هذا الكتاب الأنيق والثري يأتي لسد فراغ ضمن الإصدارات المتعلقة بالتراث في تونس، واعتبره خطوة مهمة على درب التسجيل النهائي لمدينة صفاقس على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتحدث عن “أحقية مدينة صفاقس بأن تكون ضمن قائمة المدن الكونية”. ولفت إلى أن الإصدار أبرز أيضا “مواطن الوجع”، أي الأماكن التي هي في حاجة إلى الترميم والاعتناء، مؤكدا على دور المجتمع المدني في حماية التراث وأن هذا الاهتمام ليس مسؤولية الدولة فقط، بل هو “مسؤولية مواطنية”.
وختم كلمته بالقول “ننتظر تكملة لهذا الكتاب بنفس الأناقة والجدية العلمية، يكمل هذه المعالم، وإصدارات أيضا تخص الملك العام لا فقط مباني الخواص”.
وضمن التوجه ذاته، شدد مدير عام المعهد الوطني للتراث فوزي محفوظ على أهمية هذا الإصدار ومساهمته في تدعيم تسجيل صفاقس على قائمة اليونسكو مذكرا أنها مسجلة على القائمة التمهيدية منذ سنة 2012 . وأشار إلى أن البيوت في صفاقس لها خصوصيات لا توجد في غيرها من المدن مبينا أن الأبراج رغم أنها موجودة في بعض المدن الأخرى إلا أنها ليست بالكثافة التي هي عليها في صفاقس، وهي ظاهرة لفتت اهتمام الرحالة ووردت في أدبياتهم. وذهب أيضا إلى أن المحافظة عليها ليست فقط مسؤولية الدولة بل مرتبطة بالوعي الفردي والجماعي.
ولا تعتبر الأبراج مجرد مبان للسكنى بل فضاء يوفر مورد الرزق للعائلة لما يتوفر بالأبراج من أراض تستعمل للفلاحة البيولوجية. وقد عدد ثلة من الحاضرين مزايا هذه الديار والأبراج وما كانت توفره للعائلات مرتفعة العدد التي كانت تقطنها، من أمن مائي وغذائي.
وكشفت الكاتبتان الزحاف وتركي عن الفكرة الرئيسية التي كانت منطلقا لتأليف هذا المجلد الضخم، إذ أن أسباب ذاتية وحنينا لبيوت الأجداد ولذكريات الطفولة، تقف وراء اهتمامهما بهذه المباني وقد كان البدء بحملات “أبراج في خطر” لإنقاذ عدد من الأبراج الآيلة للسقوط، قبل أن يزيد الاهتمام فتتبلور الفكرة ويتعمق البحث فيسفر عن إصدار أنيق وقيّم، من شأنه أن يساهم في المحافظة على التراث وفي حفظ الذاكرة الجماعية.
وتتالت خلال اللقاء التقديمي لهذا الإصدار مساء الجمعة، الشهادات المشحونة بالحنين إلى ماض صار بعيدا لكن يتحسسه الغيورون على تراثهم، وتحول اللقاء في ختامه إلى لحظات حميمية كأنه بين عائلة واحدة تجمعها التقاليد والعادات، والمزاح بطرح أسئلة على بعضهم البعض للتأكد من عدم نسيان ما تعنيه بعض الكلمات التي كادت تندثر ولا يعرف معانيها سوى من يقطن صفاقس أو من قضى طفولته بها…
كانت لحظات مشحونة بالعاطفة مثل الكتاب تماما، الذي قال عنه الباحث الدكتور محمد القاضي “فيه شهادات تنضح حنينا لأن كل نص يحمل جزءا من صاحبه فالبرج مأوى للعواطف والأشواق ولتاريخ ماضي كاتبه”.
واعتبر القاضي هذا الكتاب “قطعة فنية بما فيه من صور ونصوص وجانب إخراجي يشد القارئ كأنه رواية لما فيه من بعد رمزي جمالي خارج البعد الجغرافي. فحكايات الأبراج والديار تتضمن عناصر روائية إذ لكل برج حكاياته. فالأبراج، وفق محمد القاضي، قد تعطينا حكايات فيها فجوات يمكن أن يملأها المبدعون الذين يتحسسون حكايات الماضي فيملأونها روحا ويصنعون منها رواية، فننتقل بذلك من حكاية البرج إلى برج الحكاية.