القرار المعروف باسم ولد الـ15 ” كليبات الراب”

عمد مغنّي معروف ب“ولد الـ15“، إلى تسجيل مقطع فيديو وتنزيله على شبكة الأنترنت، ويتضمّن هذا المقطع مشاهد تتمثّل في قيام فتاة بحركة لا أخلاقية فضلا عن تضمّن الأغنية لعبارات بها إساءة إلى أعوان الأمن مع تهديدهم واتّهامهم بالمشاركة في ترويج المخدرات ومسؤوليتهم عن إدخالها للبلاد التونسية. فتمّ الإذن بفتح بحث تحقيقي في الموضوع أدّى إلى إحالة جميع المتداخلين في إعداد الفيديو المذكور على العدالة.
هذا، وقد صدر حكم ابتدائي عن المحكمة الابتدائية بتونس سنة 2013 بسجن المتهم الأصلي لمدّة 6أشهر من أجل جريمتي هضم جانب موظّف عمومي و التجاهر بما ينافي الحياء مع اعتبار التوارد بينهما وإسعاف البقية بتأجيل التنفيذ، مع النزول بالعقاب استئنافيا إلى الحكم بخطية مالية.
التعليق
ما يلفت الانتباه في هذا القرار هو تعامل محكمة التعقيب مع مستندات الدفاع بصفة تقريرية وجزافية، حيث اعتمدت لرفض مطلب التعقيب أصلا على معطى عدم خضوع قضاة الأساس في تقديرهم للوقائع إلى رقابة المحكمة العليا وكون المطعن المتمسّك به ضدّ الحكم المنتقد يخصّ اجتهاد قضاة الأصل بما يستوجب عدم اعتباره، في حين أنّ المطعن الثاني للمعقّب يرمي أساسا إلى نقد الحكم المطعون فيه في نقطة قانونية محدّدة تتمثّل في غياب القصد الجنائي لدى الفتاة ”ص“. بوصفها تتقمّص دورا وشخصية معيّنة عند أدائها للحركات المنافية للآداب العامة أي غياب الركن المعنوي والإرادة في الفعل موضوع التجريم على أساس اضطرار المعقّبة للقيام بما يستلزمه الدور في المشهد.
قرار طرح مشكلا متمثلا في قبول المجتمع للمشاهد التمثيلية الناقدة و المصورللواقع الحقيقي المعيش و هو ما يفرض على محكمة التعقيب تطورا مسايرا للثورة الفكرية و الفنية المحدثة منذ 2011 و الاقتصار على تبرير و اعتماد مصطلح النظام العام فقط في القرارات المتعلقة بالتصرفات و الوقائع المجتمعية دون المس من المشاهد او الصور المدرجة في الاعمال الفنية و التمثيلية
ان مصطلح النظام العام لم يقع تعريفه لكونه مصطلح واسع و غير محدد و يتغير بتغير الازمنة و الامكنة و نظرا لا نه كذلك فانه يعتمد احيانا خاصة في مسائل الحريات بغرض التضييق عليها
ان الحكم الصادر عن محكمة التعقيب يمثلا انتهاكا و تضييقا للحريات المكرسة بالدستور التونسي الجديد (دستور 27 جانفي 2014) و خاصة حرية الابداع و الفن و هو ما يكرسه الفصل 42 منه الذي ينص على التالي
الحق في الثقافة مضمون.”حرية الإبداع مضمونة، وتشجع الدولة الإبداع الثقافي، وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها، بما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات والحوار بين الحضارات.
تحمي الدولة الموروث الثقافي وتضمن حق الأجيال القادمة فيه”.
في الأخير لن نقول ان الطابع المجازي للفن يجعله متحررا من أية مسؤولية جزائية : هذا قول لا يمكن ان يستقيم ولا اعتقد ان هناك من يملك القدرة على إقناع أي قاض بذلك غير أننا من الضروري ألا نسوي بين الحقيقة والخيال فنظل نحفظ للفن جانبه الخيالي والمجازي فمثلا القتل في الفن أو الدعوة إليه مجاز أي القصد منه التعبير الفني عن النقمة والغضب دون تحقيق ما عليه وضع القتل أو الدعوة إليه في الأصل ، ولهذا يسمى مستعارا، لان المتكلم به استعاره فيما هو مراده الوظيفة الفنية الجمالية التي تستهدف التعبير عن الموقف و المتعة لا أكثر.
تبرير اخر يمكن ان يفهمنا طبيعة هذا النوع من الفن ونعني الراب الذي ولد في الأحياء الشعبية و أبرز مغنيه هم الشعراء الشعبيون و الفئة من الناس المحتقرة بسبب وضعهم الاجتماعي البالي والذين تأتي أصولهم من واقع تم فيه إجبارهم على الانحراف والدخول إلى عالم الجريمة وذلك بسبب قسوة الحياة في المناطق الفقيرة.
و رغم ذلك فان هذا المثال التونسي المجتمعي لا يختلف عن غيره من الأمثلة فالفتي صاحب الفيديو كليب متعاط للمخدرات وصاحب سوابق حسب ما يظهر من الاغنية وجد في الفن متنفسا له خارج عالم الانحراف وهو أمر لا بد من أخذه بعين الاعتبار مما يعني ان القرار التعقيبي قد ذهب الى العقاب كحد اقصى تجنبا للأثار التي قد تتركها انتاجاته الفنية على ذهنية الاطفال و المراهقين و تأثيرها السلبي في الاوساط الشعبية.