الجامعة التونسية … نحو أطلس رقمي تونسي

انعقدت هذه الأيام أولى الجلسات من كلية الآداب والفنون والإنسانيات بجامعة منوبة التونسية، أين أطلق رسميا مخبر “المباحث الدلالية واللسانيات الحاسوبية” مشروع “الأطلس اللساني الرقمي التونسي” تحت اشراف الأستاذ عبد السلام العيساوي العميد السابق للكلية ومدير المخبر والأستاذ وسام العريبي أستاذ اللسانيات في إدارة المشروع.
هذا وتمثل الجامعة التونسية على امتداد عقود من الزمن وإلى اليوم منارة علمية رائدة ومرجعا متميزا عربيا وافريقيا في مجال علوم اللغة واللسانيات الحديثة بالخصوص إذ تمكّنت التجربة التونسية في هذا المجال خلال الفترة المتراوحة بين 1997 و2000 (م) من إنجاز دراسات حول الأطلس اللغوي التونسي، كما تمّ من خلال هذه التجربة تطوير برمجيات معلوماتية تحتوي على بيانات لغوية في قاعدة بيانات أكسس Access بسيطة في شكل مدوّنات لفظية.[1]
وللعلم فإنّ ” الأطلس اللساني” هو عبارة عن دراسة وصفية للغات واللهجات الحية والمستعملة وتوزيعها على الخريطة الجغرافية، أو قل هو عملية مسح جغرافي ميداني للغة من اللغات تساعد الهياكل الرسمية من تحديد الاختيارات واتخاذ القرارات السياسية والتعليمية والاقتصادية والإستراتيجية المناسبة. وقد عرّفه الدكتور سعد مصلوح بأنّه:” توزيع الظواهر اللغوية توزيعا جغرافيا … وفق مفاتيح خرائطيّة تبيّن من خلالها مكان انتشار كل لغة أو لهجة”.[2]
ويرتكز أساسا “الأطلس اللساني” في صناعته على “علم اللغة الجغرافي” أو ما يسمى باللسانيات الجغرافية (Geographical Linguistics)، وهو علم يهتم باللّغات الإنسانية، ولهجاتها، وتوزّعها على خارطة العالم، كما يسعى إلى إحصاء عدد المستعملين لهذه اللغة أو تلك، أو المتكلّمين بها مع مراعاة أوجه التوافق والاختلاف بين مختلف الأداءات , وذلك بغرض توظيف هذا المسح اللغوي بكل تفاصيله ودقائقه واستغلال النتائج المتوصّل إليها في الجانب الاقتصادي والسياسي والعلمي والثقافي.
تعدّ مباحث اللغات المحلية، ومسألة النفوذ اللغوي، واللغات الوطنية والوافدة، فضلا عن التعدّد اللهجي داخل اللّغة الواحدة، والفروق التركيبية والصوتية والدلالية بين اللهجات وغيرها … من أهم مباحث اللسانيات الجغرافية حيث تكمن هذه الأهميّة في تقديمها لصورة دقيقة ومفصّلة عن بنية اللغات ونقاط التشابه والاختلاف بين مختلف الأداءات حسب انتشارها في المناطق والأقاليم، لذلك فإنّ انجاز الخرائط اللسانية وتصميمها هي من أهمّ إنجازات علم اللغة الجغرافي، وأبرز ما تتوصّل إليه نتائج دراساته وبحوثه[3].
أما تاريخيا فقد انطلقت فكرة الأطالس اللسانية لدى الغرب بعد منتصف القرن التاسع عشر في كل من ألمانيا مع “فنكر” وفرنسا مع “جيليرون”, ومع الثورة العلمية الحديثة والتطور التكنولوجي الذي شهده العالم, شهدت نتيجة لذلك صناعة الأطالس اللسانية نقلة خيالية بفضل وسائل الاتصال الحديثة مع بداية ثمانينات القرن الماضي من خلال انجاز أول برمجية للتصرف في البيانات اللغوية عام 1983 م بفضل جهود الباحثين “ماك دافيد” و”ويليام كراتشمر”.
وبالاعتماد على قاعدة بيانات جاهزة تم لأول مرة سنة 1986 م تخزين الأطلس اللساني لـ “كورسيكا”. وفي الفترة ما بين 1987 و1992 م تمّ تجميع الأطلس اللساني لإقليم الباسك بواسطة الحاسوب من خلال تصميم برمجية قاعدة بيانات وخرائط إلكترونية.
عربيا, كانت التجربة التونسية سباقة في هذا المجال كما ذكرنا فقد تمكّنت تونس في الفترة ما بين 1997مـ و2000مـ من إنجاز دراسات حول الأطلس اللغوي التونسي تمّ من خلالها تطوير برمجيات معلوماتية تحتوي على بيانات لغوية في شكل قاعدة بيانات أكسس Access بسيطة في شكل مدوّنات لفظية, وسارت التجربة المغربية كذلك في نفس الاتجاه حذو التجارب التونسية الرائدة . وفي الجزائر دعت – في الفترة الأخيرة – وحدة البحث اللساني وقضايا اللغة العربية بورقلة إلى تنظيم ندوة دولية بـعنوان: “الأطلس اللساني الرقمي: من التصميم إلى الإنجاز”. وتسعى مختلف هذه التجارب المتنوعة إلى معالجة الإشكالات الآتية:
– ما هو مفهوم الأطلس اللساني الرقمي؟ وما هي أهمّ خصائصه؟ – ما هي أهمّ التجارب الغربية والعربية الرائدة في هذا المجال؟ – ما هي مراحل تصميم الأطلس اللساني الرقمي وإنجازه؟ – ما هي أهمّ النتائج التي توصّلت إليها أبرز الدراسات والأبحاث في هذا المجال؟ – ما هو مستقبل الأطلس اللساني الرقمي للغة العربية في العالم العربي عموما وفي المستوى المغاربي على وجه الخصوص؟
تكمن أهمية الأطالس اللسانية اذن وبصفة عامة في تحقيق الأهداف الكبرى والاستراتيجيات الناجعة لفائدة الدولة والمجتمع من خلال علم اللسانيات الجغرافية (Geographical Linguistics)، الذي يهدف من وراء المسح اللغوي بكل تفاصيله ودقائقه إلى استغلال النتائج المتوصّل إليها في الجانب الاقتصادي والسياسي والعلمي والثقافي, ويهتم باللّغات الإنسانية، ولهجاتها، وتوزّعها على خارطة العالم، كما يسعى إلى إحصاء عدد المستعملين لهذه اللغة أو تلك، أو المتكلّمين بها مع مراعاة أوجه التوافق والاختلاف بين مختلف الأداءات.
فاللسانيات الجغرافية هي من أهم فروع علم اللغة الاجتماعي الذي يعنى بدراسة اللغة ووصفها داخل المجتمعات من خلال تحديد الظواهر اللغوية التي تميّزها والوقوف على نقاط الاختلاف والتشابه بين مختلف الأداءات. وقد تفرّعت عن هذا العلم اختصاصات لغوية أخرى، تناولت هذا الجانب بكثير من الدقّة والتعمّق في الطرح والدراسة.