صورة رائعة للمسافر إلى الشمال …
في قطار الليل الذاهب من المتلوي الى العاصمة تبدأ الرحلة التاسعة مساء و تنتهي الخامسة صباحا اغلب ركاب القطار من الفقراء : جنود عائدون الى ثكناتهم ( هم جاهزون للقربان الآتي ) و طلبة ( حاملين ما تيسر من المطبقة و البسيسة و احلام الشايب و العزوزة) متجهون الى كلياتهم في المدن الكبرى و مرضى متجهون الى المستشفيات الجامعية التي لا تنبت في ربوعهم لعدم تلائم المناخ ( تعرفهم حينا بوجوههم المصفرة و حينا بالملفات الطبية الضخمة التي يحملونها بتوجس و كأنهم يخافون ان تنفجر في وجوههم)..
لأغلبية الساحقة من الركاب هم من الذكور و هذا أمر طبيعي بحكم ان الليل في لسان العرب مذكر..عربات الدرجة الأولى شبه قاحلة، المجد للدرجة الثانية..من الأفضل ان تقضي حاجاتك البشرية جدا قبل ركوب القطار فكل دورات المياه تظل مغلقة من الداخل يتناوب عليها “المرسكيون”.. ينطلق القطار خفيفا من الحوض المنجمي ثم يشرع في ابتلاع المسافرين في محطات القصر و السند و زانوش و بوزيان و المكناسي و مزونة و..و..
بعضهم سيعود بعد يوم و بعضهم سينطلق في تغريبة نسخة طبق الأصل من آلاف التغريبات السابقة..نفس السكة تحمل الفسفاط منذ عشرات السنوات و دائما ما تنسى ان تحمل خراجه في رحلة العودة..تتأمل الوجوه و تحاول ان تقرأ احلامها..سرعان ما تغض بصرك ليس حياءا بل خجلا من ذلك الفراغ المرعب..
تمكث بين العربات لكي تدخن بضعة سجائر..هناك يسيطر الدخان الدزيري و الراي الدزيري المنبعث من الهواتف المهربة من الجزائر أيضا..تعود الى العربة و تتأمل من حولك، الكثير من الركاب يغطون وجوههم بفيستاتهم و بلوزاناتهم يتصيدون ساعات من النوم قبل الوصول الى برشلونة تونس…
أحمد الجديدي