انسداد قناة استاكيوس في الأذن و المعاناة مع الخدمات الصحية في سويسرا
في الأشهر الأخيرة من السنة الماضية اكتشفت أنني أعاني حالة متقدّمة من انسداد قناة استاكيوس (Eustachian tube). (قناة ماذا؟) نعم، مثلك تماما، لم أكن أسمع بهذه القناة مطلقا قبل أن يخبرني الطّبيب عنها !
بدأ الأمر بشعوري الدائم بالامتلاء في الأذن، وطنين مستمرّ يرافقه ألم.
من ناحية الوصول إلى العلاج، كانت حياتي في تونس أسهل. كنت أمرض، أحمل حافظة نقودي، أوقف سيارة تاكسي وأذهب إلى أقرب طبيب اختصاص أعثر على عنوانه في موقع توصية (أو مجموعة على فايسبوك). ينظر الطبيب في حالتي، يشخّصها، يعطيني ما تيسّر من الأدوية وخاصّة المضادّات الحيوية التي تقضي على المرض (وعلى المناعة بمرور الوقت). أدفع نقدا ولا أحتاج مراجعة شركة تأمين لا قبلاً ولا بعدًا (ببساطة، لم يكن لديّ يومًا تأمين صحّي في تونس). المهمّ، أنّني لا أعود أشكو ذلك المرض.
لكن هنا، كان يجب أن أتّصل بشركة التأمين الصحي أوّلا، أشرح لهم بالتفصيل ممّا أعاني. ثمّ، أحصل على مباركتهم لزيارة الطبيب العامّ. وهكذا فعلت.
قال لي الطبيب العامّ إنّني أعاني من التهاب في الأذن. جميل أليس كذلك؟ لكنّه وصف لي مسكّن أوجاع وقطرات أذن عرفت لاحقا أنها لا تحتوي على مضادّ حيوي للالتهابات. لا أعرف إن كان يعتقد أنّ التهاب أذني سيذهب بدعاء الوالدين أو ببركة سيدي محرز…
كانت النتيجة أن تعكّرت حالتي وصرت لا أكاد أسمع. لا، بل كنت أسمع… صوتي ! قويّا، متضخّما داخل رأسي. ولأنّ سماع صوتي عاليا داخل رأسي كان أكثر من قدرتي على التحمّل توقّفت ببساطة عن الكلام.
لأكثر من شهر أمسكت تماما عن المشاركة في الفصل حتّى لو طلب منّي الأستاذ الإجابة عن سؤال، ورفضت عددا من دعوات التدخّل التلفزي، وأحجمت عن المشاركة في أي حوار مباشر من شأنه أن يجعلني “أسمع نفسي داخل رأسي”.
عدت مجدّدا إلى الطبيب، قسم الاستعجالي هذه المرّة. قالت لي الطبيبة: “لا داعي للقلق. ستكونين بخير. حاولي قضاء وقت أكبر في الخارج.” (رغبت يومها في السّباب، وفعلت، داخل رأسي) ولم تصف لي أدوية.
تدهورت حالتي أكثر فأكثر. اتّصلت بشركة التأمين الصحّي وأخبرتهم أنني ذاهبة لا محالة إلى طبيب اختصاص. وفعلت. سألني الطبيب الشابّ :”هل تعملين في شركة طيران؟”. عندما ضحكت في تعجّب، أردف متسائلا :”أو تسافرين كثيرا؟” أجبته :”كنت. نعم.”
لم أفهم كيف كانت أذناي بخير طوال السنوات التي كنت دائمة السفر فيها، وفقط عندما استقررت قرّرت قناتهما الاستاكيوسية الغبيّة أن تغلق ! المهمّ، بعد بعض الصور والاختبارات، أكّد لي الطّبيب تشخيصه لحالتي بانسداد قناة استاكيوس.
هكذا صرت أعيش رسميّا بعين كسولة وأذن مسدودة ! (العين الكسولة قصّة أخرى تماما !)
لزمني بضعة أشهر وقتها لأتمكّن أخيرا من الوصول إلى طبيب اختصاص. وما حدث معي ليس سوى قطرة في محيط معاناة متساكني سويسرا مع النفاذ إلى الخدمات الصحية وأزمة القطاع الصحّي فيها عموما.
الطبّ العامّ يعاني من ندرة الأطبّاء. كثيرون هنا يضطرّون إلى الذهاب مباشرة إلى القسم الاستعجالي رغم أنّ حالتهم غير استعجالية، وهو ما يضيّق الخناق على أطبّاء الأقسام الاستعجالية وطواقمها. أمّا شركات التأمين فتفعل كلّ ما في وسعها لتؤخّر وصولك إلى الاختصاصيين أو تحول دونه. العاملون في الطواقم الطبية، خاصّة الممرّضون، يغادرون المجال دون رجعة. فيما أعداد السويسريين والمقيمين الّذين لا يتمتّعون بالخدمات الصحية الضرورية في ازدياد مستمرّ.
أمّا عن أذني، فما تزال قناة استاكيوس اللّعينة فيها مسدودة.