الساعات العرضية في الجامعة التونسية: محاباة و فساد مقنّع
عندما يطالب الدكتور الباحث بحقه في الساعات العرضية من أجل دعم ملفه البيداغوجي يقابل بالصد أو المماطلة التي تؤدي به حتما إلى اليأس و الاستسلام و يتم إسناد هذه الساعات إلى أستاذ أقل منه مستوى و كفاءة. و عندما يتجه إلى الجامعة أو الوزارة شاكيا فغالبا ما يجيبانه بأن إسناد الساعات العرضية هو من مشمولات المؤسسة الجامعية و مجلسها العلمي، ذلك هو مربط الفرس، و تلك هي الثغرة التي يمكن أن يتسرّب منها الفساد و تبرق منها أعين خفافيش المحسوبية و المحاباة و حتى الرشوة.
لا أريد في هذا المقال الإساءة للخفافيش الطبيعية، و هي حيوانات بريئة و تقوم بدورها الطبيعي في الحفاظ على التوازن البيئي، و أنا شخصيا أحبها لأنها في الأصل من الحيوانات الوديعة.
ما قصدته بالخفافيش، هم أولئك الذين يعملون في غرفهم المظلمة و مكاتبهم المغلقة و هي شبيهة بالكهوف التي تختبئ بها الخفافيش، فيتصلون بفلان و يقطعون الاتصال عن فلان و يرضون فلان و يُغضبون أو يُسخطون فلان، و ذلك حسب أهوائهم و مزاجهم و مصالحهم و هي الأهم بالنسبة لهم.
لا أدعي الموضوعية في هذا المقال فأنا لست من أنصارها… لذلك فإنني لا أستطيع التغاضي عن تجربتي الخاصة في هذا الموضوع، و هي الدافع الأساسي الذي جعلني أكتب هذا المقال.
من المؤسف بأن تونس لم تعد وطنا يطيب فيه العيش أو تتحقق فيه الأحلام، لقد أصبحت ذواتنا عاجزة حتى على بناء أحلام في خيالنا، و أصبح البؤس معششا فيها، و ذلك هو الخطير، و ذلك هو موت الذات الحقيقي، و لا أخفيكم شيئا حين أقول لكم بأني بدأت أشعر بهذا الموت.
صنع الإحباط في تونس أصبح ممنهجا، بل إن مؤسساتنا و إداراتنا أصبحت تتقن هذا الفن التعيس، و هي تستحق المرتبة الأولى في العالم في انتاج و صناعة اليأس،
أسفي يتعاظم كل يوم على شباب تونس الطامح و المستنير، ذلك الشباب الذي وصل إلى أعلى الدرجات العلمية في اختصاصات متعددة و متنوعة و قد أنفقت عليه الدولة من الضرائب التي يدفعها المواطنون من جيوبهم و من مرتباتهم ، لتجعل منه في آخر المطاف شبابا مهمشا لا قيمة و لا أثر له في هذا المجتمع.
أعترف بأنني لست شابا و لكنني كنت منذ زمن غير بعيد أتمتع بطموح الشباب، و كان لي الحق في أن أحلم و في أن أحسن من وضعي المهني و الاجتماعي بفضل ما قمت به من مجهود طيلة عشرين سنة إلى أن تمكنت من الحصول على شهادة الدكتوراه.
أعلم جيدا بأن الطريق شاق من أجل ولوج الجامعة التونسية، فهو يتطلب كما هائلا من البحوث و الإنتاجات العلمية، و هو يتطلب أيضا خبرة بيداغوجية .. و كنت مستعدا لتجاوز كل الصعوبات و لكن للأسف اتضح لي بأن الطريق مسدود و أبوابه مؤصدة و لا يمكن أن تفتح إلا لأصحاب الشأن، أو بالأحرى إلى مواطنين من الدرجة الأولى أصحاب الحظوة و المعارف و…و…و…
اتضح لي من خلال كل المطالب التي كنت أرسلها إلى مختلف المؤسسات الجامعية بأنني مواطن من الدرجة الثانية، و أنا متأكد بأني لست وحدي…
يعتقد القارئ بأن هذه الساعات العرضية ليست ذات قيمه، و هي لا تستوجب مقالا مطولا كهذا، لأنه في واقع الأمر يجهل بأن العقود و الالحاقات و الساعات العرضية التي تمنح بالمحاباة و بالمعارف و حتى بالرشوة، هي المدخل للنجاح في مناظرة الأساتذة مساعدين في التعليم العالي و التي يترشح لها المئات في شتى الإختصاصات..
و لذلك فإن رؤساء الأقسام في المؤسسات الجامعية و الذين لهم صلاحية قبول أو رفض مطالب الساعات العرضية يمنحون هذه الساعات حسب الأهواء لا حسب الكفاءة و الأفضلية، و أقول ذلك انطلاقا من تجربتي الشخصية و بإمكاني نشر عشرات المطالب التي قدمتها لجل المؤسسات الجامعية في تونس سواء أكانت مطالب الحاق أو عقود أو ساعات عرضية و كلها قد باءت بالفشل..
و تساءلت لماذا أنا بالذات؟ و لماذا يقع الحاق أساتذة بدون شهادة دكتوراه أو منحهم تلك الساعات العرضية دون أن تكون لهم أي خبرة في البحث؟! و الغريب أنهم يقومون في بعض الأحيان بمهمة تأطير الطلبة التي تستوجب كفاءة في البحث !!
هل الوزارة على علم بما يقوم به رؤساء الأقسام من تجاوزات خطيرة؟ !!
لقد سبق أن اتصلت بمسؤولين في الجامعات و الوزارة و أكدوا لي بأن الساعات العرضية هي من مشمولات المؤسسة المعنية بالشغور…فلمن يشتكي إذن المظلوم إذا كانت الوزارة غير مبالية بالتجاوزات الخطيرة التي تقع في المؤسسات الجامعية؟!! هل من الجائز لرئيس قسم أو للمجلس العلمي أن يعين من يشاء حسب الأهواء و حسب قانون المحاباة!! هل من المعقول أن نترك المجالس العلمية أو رؤساء الأقسام يعبثون بمصير مؤسساتنا الجامعية و يلعبون بمصائر الطلبة و يستهترون بتكوينهم العلمي و المعرفي؟!! فهل من الصدفة أن تتواجد الجامعات التونسية خارج التصنيف العالمي للجامعات؟!!
أردت من خلال هذا المقال مجرد لفت النظر، فاليأس قد تمكن من نفسي و أصبحت أشعر بإحباط شديد، و لم أعد أرغب إلا في الوصول إلى سن التقاعد بأخف الأضرار الجسدية و النفسية، لأن سنوات التدريس في الابتدائي قد أنهكتني و المجهود الذي بذلته من أجل الحصول على شهادة الدكتوراه قد أرهقني و أتعب جسمي و صحتي، و بدأت أشعر بندم شديد على سنين العمر التي أضعتها من أجل شهادة الدكتوراه لأن أبنائي و عائلتي كانوا أحوج إلى ذلك الوقت الذي استهلكته من أجل تحقيق حلم اتضح بأنه مجرد صرح من خيال فهوى.