اقرؤوا التـاريخ جيـدا واعتبروا الإفلاس يتربص بكم
بداية أصاب الولايات المتحدة البشم فأبشمت وأتخمت فأشرفت على الهلاك، فتك بها المغص فكاد يرديها. لم تكن بها حاجة للزاد ولكنه الجشع والنهم، عبت من الحلال والحرام بلا حساب ودست في البلعوم والمناخير- وبلهفة- ما طاب لها وخاب، وحشت جوفها حشوا كما تُحشى المدافع بالبارود، وانفجر الكيان فهوت هامتها وتمددت أطرافها واستسلمت غصبا لما أرداها وحق عليها القول ان المال الحرام لا يثمر إلا الشرور، وما ربك بظلام للعبيد.
حلت بأمريكا إذا أزمة الأسواق المالية فانهار اقتصادها وأفلست بشكل تام وتنبأ الرئيس الفرنسي- وقتها- بنهاية اقتصاد السوق وأعلنت احدئ الصحف الألمانية في صفحتها الأولى عن نهاية الحلم الأمريكي بعد انهيار المنظومة العالمية للمعاملات المالية كنتيجة حتمية لإفراط إدارة بوش في الإسراف إلى حدود خيالية، ولتشجيعها على تكديس الربح لدى أقطاب الصقور لدرجة أن عموم الأمريكان شعروا بأنهم وقعوا في “اغتصاب اقتصادي” وفقدوا الأمل وباتوا مقتنعين بأنهم ينتمون لدولة من العالم الثالث، وتشككوا في مدى قدرة بلادهم على مواجهة العاصفة القادمة.
إن السياسة التي ينتهجها المضاربون الماليون في بورصة “وول ستريت” أدت إلى كارثة جعلت الأمريكيين وخاصة بالمدن التي عرفت بالرفاه والثراء- جعلتهم يعيشون في كابوس مزعج: لافتات على أبواب المحلات هنا وهناك تشير الى الإفلاس (محجوز عليه)، اطرد المالكون لما أثقلت كواهلهم بالديون الباهظة، توقف العمل بمحطات الوقود، أغلقت المطاعم الشعبية، هجم الفقر على أهل الثراء حتى تخلوا عن حيواناتهم التي ألفوا تربيتها بينهم،غرقت مدن بأكملها في بحور من الديون الثقيلة لدرجة أن المحاكم العليا فيها سمحت للمتساكنين بحمل السلاح لتوقي الجريمة.
يقول احد الصحافيين: ذهبت الولايات المتحدة لبغداد لتنشر الديمقراطية فإذا بها تجعل من مدينة واشنطن نسخة من بغداد وحولت سكانها إلى مسلحين يعملون على حماية أنفسهم من الإجرام المستشري في كل الزوايا- يحدث هذا في ظل حملة انتخابية شرسة يختلط فيها الهم الاقتصادي بالهموم السياسية داخليا وخارجيا فيتشتت ذهن النائب بين الماضي والحاضر والمستقبل بين رغيف اليوم وعزة الأمس ومستقبل مجهول، ويمعن بوش في إزعاج قومه فيحذر المتنافسين على السياسة من احتمال وقوع انهيارات في قطاعات أخرى بالاقتصاد الأمريكي، يمعن في ذلك ليحمل الكونغرس على القبول بخطة الإنقاذ التي أعدها وزيره للخزينة بعد أن رفضها في جولة أولى، خطة تقضي بصرف 700 مليار دولار لشراء الديون الهالكة، إن رفض الخطة مناورة بلا شك تصب في الحملة الانتخابية فالموقف يتطلب حكمة في التصرف حتى لا يسقط هذا في شراك ذاك.
وفزع العالم مما آلت إليه الأزمة فقال سركوزي إن فوضى الأسواق المالية في أمريكا ستؤثر على فرنسا شهورا لكنه وعد بان لا يخسر احد ودائعه المصرفية وطمأن المدخرين في بلاده بأنهم لن يدفعوا ثمن أخطاء غيرهم، غير انه يرى أن القدرة الشرائية للمواطن العادي ستتأثر، لذلك دعا إلى أصلاح النظام الرأسمالي من العثرات الخطيرة في الأنشطة المصرفية العالمية التي كشفتها الأزمة المالية الحالية، مثلما أعلن أن الاتحاد الأوربي مدعو إلى التفكير بجدية في سياسة نقدية جديدة.
وأسهب ساركو في نقد النظام الاقتصادي المعتمد في أمريكا قائلا: “لقد اقتربت العولمة من نهايتها بأفول رأسمالية فرضت منطقها على الاقتصاد بأسره وأسهمت في انحراف مساره… إن فكرة القوة المطلقة للسوق بدون قيد وبلا تدخل سياسي فكرة مجنونة.”
إن القول بان الأسواق دوما على حق هي أيضا فكرة مجنونة لكن “رايس” لا ترى ذلك فتزعم- رغم انغراس مناخيرها في الوحل- أن الرأسمالية قوية.! وان نهضة العالم وتطوره يعود الفضل فيهما للرأسمالية وانه لا وجود لبديل لها. ولذلك نجد حكومة بوش تحنق على من لا يريد مساعدتها في الخروج من الأزمة، وقع الأمريكان إذا في تداعيات مجازفات أصحاب الأسهم في البورصات وخلصوا إلى التصديق بان الأزمة التي يعيشونها من صنع مؤسسات مالية ماكرة طالبوا بمقاضاتها فيما أن أصل الداء سياسة خرقاء مارسها ذلك المجرم الأكبر الذي أتى على الأخضر واليابس داخل بلاده وخارجها. العالم كله يعقد اليوم صلة بين عمليات تبييض المال والإرهاب، فما هذا الذي يفعله المضاربون وما يفعله المستكرشون محترفو الحروب؟
سقط بالأمس النظام الموجه ويسقط اليوم مرة أخرى النظام الحر فهل علينا استنباط نظام جديد؟ أم إن القوم بصدد حبك المشهد الأخير من شريط يستهدف الاستحواذ على ودائع العرب، ويصنع المبررات للاستقرار طويلا بالعراق، ويخلق الكوارث لضرب إيران و…
وما دمنا قد احتضنا الكلاب فحسبنا من نهش جلودنا العويل.
loumitw@gmail.com
(09/10/2008)