احتفال المسلمين حول العالم في عيد الفطر بعادات مختلفة تتحد لنشر السعادة في النفوس
احتفال المسلمين حول العالم في عيد الفطر بعادات مختلفة تتحد لنشر السعادة في النفوس، في ظل عادات غذائية راسخة تتحول إلى تصنيفها ضمن الموروث الثقافي والغذائي
استقبل المسلمون حول العالم عيد الفطر بعادات مختلفة، إذ تتميز كل دولة بتقاليد خاصة، غير أنها تتحد لنشر السعادة فى نفوس المواطنين، كما أنها تتميز بالعديد من الأمور المُشتركة، كأداء صلاة العيد، وتهنئة المصلين بعضهم البعض، والتزاور بين الناس، وصنع الحلويات، وإعداد الأطعمة الخاصة بالعيد. ولئن تتنوع من مدينة لأخرى فى نفس البلد. مثال ذلك ما سنتعرف عليه اليوم في مقالنا هذا، حيث سنرافقكم في زيارة إلى ربوع تونس، لنتوقف بمدينة صفاقس، وهي ثاني مدن الجمهورية التونسية، ويطلق عليها إسم عاصمة الجنوب، وهي متجذرة في التاريخ، و تتميز بعادات وتقاليد متنوعة.
عادات غذائية راسخة تتحول إلى تصنيفها ضمن الموروث الثقافي والغذائي، الشرمولة الصفاقسية نموذجاً:
“الشرمولة والحوت المالح”، وجبة دأب أهالي صفاقس على أكلها صبيحة يوم عيد الفطر منذ عهود خلت، لتتحول من عادة غذائية راسخة لدى العائلة الصفاقسية إلى تصنيفها ضمن الموروث الثقافي والغذائي لجهة صفاقس. وينطلق إعداد طبق الشرمولة الصفاقسية قبل أيام قليلة من حلول عيد الفطر، حيث تقوم النساء بتنقية “الزبيب” (العنب المجفف) من الشوائب.
وبالنسبة لطريقة إعداد الشرمولة الصفاقسية، فتنطلق بتوفير-
المقادير الضرورية، وهي:
1كغ زبيب عسلي.
2 كغ بصل أحمر.
1 لتر زيت زيتونة.
ملعقة أكل مسح كبابة مرحية.
ملعقة أكل مسح شوش ورد مرحية.
قهوة مسكتة (مهرسة بقليل من الملح أو السكر لتسهيل الهرس).
ملعقة قهوة قشور ليم مرحي، أو قطعتين من قشور الليم.
ملعقة أكل فلفل أحمر.
2 لتر من الماء.
أما طريقة التحضير:
نقطع البصل قطعاً صغيرة.
نرحي الزبيب ثم نخرجه بغربال التشيش بعدد 2 لتر من الماء.
نقلي البصل المقطع مع الزيت، عند الإحمرار نضيف قليلاً من ماء الزبيب، مع مغفرة الفلفل الأحمر، (نطفيها) نتركها تطبخ قليلاً ثم نضيف باقي ماء الزبيب مع مغرفة قشور الليم.
و عند الغليان نضيف الكبابة والشوش ورد، ثم نتركها تطبخ على نار هادئة، وقبل أن تقف على زيتها نضيف المسكتة.
وبعد ساعات من الطبخ على نار هادئة تقف على زيتها، وعندها تفوح رائحتها وتكون جاهزة للتقديم.
أما بالنسبة “الحوت المالح”
كما يحلو لأهالي صفاقس أن يسمونه، ويكون عادة من الأسماك الجيدة، وكبيرة الحجم، مثل “المناني”، و”البوري”، و”الغزال”، و”الكرشو”، و”القراض”، والحناش”، و”الشلبوط”، و”الفار”، و”التن”، إضافة إلى “الباكلاو”.
وتقوم النساء، خلال ليلة العيد، بوضع ما تيسر لها اقتناؤه من أسماك مملحة في إناء كبير من الماء، بعد أن يتم تنظيفها وإزالة ما علق بها من الملح، لتطبخ صبيحة يوم العيد في الماء الساخن، وبعد صلاة العيد يلتف أفراد العائلة الصفاقسية حول المائدة، لتناول أكلتهم الشهيرة “الشرمولة، و الحوت المالح”، عبر غمس رغائف الخبز في “الشرمولة”، وأكل رقائق من السمك المملح.
أكلة متوسطية قديمة جداً ومتعددة الأصناف:
ومن الجانب التاريخي فالشرمولة هي أكلة متوسطية قديمة جداً، ومتعددة الأصناف، وهي تؤكل بالدرجة الأولى في البلدان الواقعة على الساحل، أصلها روماني، وانطلقت إلى تركيا، ومن تركيا وصلت إلى صفاقس، وابتكرها بحار يوناني اسمه شارل مولا “CHARLE MULLA “، حسب السجلات التاريخية الشرقية، عندما هبت عاصفة هوجاء بحرية دمرت مركبه واغرقت رجاله، وظل تائهاً وحيداً، إلى أن اشتد به الجوع، بدرجة اليأس من الحياة، فأخذ يفتش في مركبه المدمر ووجد كيساً به زبيب، أخذ الزبيب وكسره بحجارة إلى أن أصبح مرحياً، وغمسه بماء البحر، ثم تمكن من إشعال نار بحجارة الصوان، و وضع الخليط في إناء، وتركه يغلي لمدة طويلة، ثم بحث عن أي شيء، فوجد بصلاً فأخذه وقطعه إلى أجزاء، و وضعه بالإناء ليغلي، واشتم رائحة فتحت له الشهية، فتقبلته معدته، وأكل إلى أن شبع…
حسب مصادر سجلات ثقافة الغذاء الشرقي، الشرمولة أنواع، وهي تختلف من مدينة إلى أخرى، فمثلاً شرمولة قرقنة، أو جربة، أو بنزرت، أو تونس، لا تشبه شرمولة صفاقس…
انطلاق عملية الدلالة لبيع الحوت المالح بسوق السمك بمشهد لافت:
ولمدينة صفاقس تقليد خاص في الاحتفاء بعيد الفطر، كل سنة يتمثل في تناول أهاليها أكلة الشرمولة، والحوت المالح، في فطور العيد. هذه الأكلة -كما سبق وأشرنا- تجمع بين العناصر الحلوة، المتمثلة في الجمع بين خليط الزبيب الأسود، والبصل، وزيت الزيتون، وبين العنصر المالح، المتمثل في الحوت المالح. الذي يقع تمليحه قبل شهر على الأقل، على أيدي مهرة في الميدان، قبل ترويجه في العواشر الأخيرة من رمضان، في سوق الحوت بصفاقس، عبر عملية الدلالة، التي يؤمنها باعة ماهرون.
وقد انطلقت عملية الدلالة هذه السنة قبل أيام بمشهد لافت وبديع، أمنته فرقة طبال قرقنة، التي ساهمت في جلب المشترين، عبر الدلالة التي أمنها دلال ذائع الصيت، حيث عمل على إبراز قيمة ما يعرضه للمشاركين في الدلالة، من أنواع مختلفة، من حيث الحجم والنوع، عبر وسيلة ناعمة أساسها خدمة المشترين، دون الحرص على رفع الأسعار خدمة للمواطنين المتألمين من تفاقم غلاء المعيشة.
خصوصيات حلويات عيد الفطر:
خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، اتجهت اهتمامات العائلات التونسية لإعداد حلويات عيد الفطر، والتي يرى كثيرون أن نكهاتها تكون أفضل عبر طهيها في مواقد الحطب، التي يعود عمر بعضها إلى أكثر من قرن من الزمن. إذ لا تخلو المدن العتيقة في تونس من الأفران التقليدية التي تشتغل بالحطب، والتي يطلق عليها محلياً اسم “الكوشة العربي”، وكان يعتمد عليها في صناعة الخبز، قبل أن يتراجع دورها مع انتشار الأفران الحديثة، بينما تكتفي أفران الحطب حالياً بطهي الخبز التقليدي، والحلويات، وقلي المكسرات.
وفي شهر رمضان، على عكس بقية أشهر السنة، تعود الحياة إلى مواقد الحطب التي لا تتوقف عن العمل إلا صباح أول أيام عيد الفطر، بسبب الإقبال على تجهيز حلويات العيد، ومنها “البقلاوة”، و”الغريّبة”، و”البشكوطو”… إذ تعود بي الذاكرة منذ سنوات، إني أشاهد أفراد العائلات، وهي تحمل إلى الأفران القديمة أطباق الحلويات التي تصنع بأيدي النساء، خلال النصف الثاني من شهر رمضان، بغاية طهيها على الطريقة القديمة، التي تعطي لمذاقها نكهة خاصة، تتشكل من النباتات العطرية، وأنواع الخشب التي تغذّي نار الموقد، غير أن هذه العادة بدأت تتقلص، وتعوض بطهيها بالبيوت في الموقد الغازي، أو شراء الحلويات جاهزة من المغازات، ومحلات بيع المرطبات.
الحلويات على طريقة أمهاتنا:
يحتفل التونسيون كغيرهم من المسلمين في سائر أنحاء العالم بعيد الفطر المبارك، لمدة ثلاثة أيام، حيث تعم الفرحة والسرور البيوت، وتتزين الموائد بالحلويات، فالعيد مرتبط بها. حيث تكون “البقلاوة”، في طليعة الحلويات عند العديد من التونسيين، فهي لا تغيب عن مناسبات التونسيين في أفراحهم وأعيادهم أبدًا، وتتمثل البقلاوة في مُعجنات محلّاة تتكون من طبقات رقيقة من العجين، ولها عدة أنواع، منها بقلاوة بالفستق وبقلاوة بالجوز، وتُحلَّى بسكب العسل عليها، ويجعلها ذلك أكثر تماسكًا؛، وهي كذلك إحدى أنواع الحلو المشهورة في تونس، ويعود تاريخ ظهور هذه الحلويات، وبوادر تصنيعها إلى القرن الثالث عشر ميلاديًا، عهد الدولة العثمانية، بعد أن أخذت عن الأتراك، وكانت تقدم بالأساس كحلويات رسمية داخل البلاط الملكي، حيث كان يستهلكها النبلاء، ووجهاء القوم في ذاك العصر، ومن ذلك استمدت تسميتها، ونسبت إلى الباي.
المقروض
ولعل “المقروض”، والمعد من السميد بعجينة التمر والمقلي، و”الغريّبة”، التي تحضر من دقيق الحمص وزيت الزيتون، وتطبخ في الفرن، تعتبر من أشهر الأطباق الحلوة لتزيين طاولات البيوت التونسية في العيد، وتستقبل بهما ربات البيوت المعيدين مع القهوة أو المشروبات الغازية والعصائر..
كما أن المقروض التونسي، أو حلويات الأغالبة هو حلويات تونسية تقليدية، تسمى حلويات الأغالبة، نسبة لدولة الأغالبة في القيروان، تونس، وهو عبارة عن حلويات تونسية مصنوعة من السميد المحشو بالتمر، وخاصة الفطيمي (أنواع تمور تونسية)، أو العليق، أو دقلة النور، والمغموسة في العسل، وقد تضاف إليه بعض الفواكة الجافة المرحية مثل، اللوز، أو السمسم (الجلجلان في تونس). وينتشر المقروض التونسي في تونس في كامل الولايات التونسية عامة، وفي ولاية القيروان خاصة، باعتبارها الموطن الأصلي للمقروض. وحسب الباحث القيرواني صاحب عديد المؤلفات عن تاريخ القيروان وتونس. فإنه لا أحد يبرع في صناعة المقروض التونسي غير التونسيين والقيراونيين، مهما برع لأنه اختصاص تونسي…
هذا
ويقبل التونسيون على المقروض التونسي كامل السنة، فهو ليس حكراً على المناسبات والأعياد. كما يتلقى المقروض التونسي شهرة واسعة في كافة أنحاء العالم والعالم العربي، بفضل محلات الحلويات التونسية المنتشرة في كافة بقاع العالم، فمن زار تونس سيقبل على محلات بيع المقروض التونسي المنتشرة في كافة البلاد.
ومن الحلويات التونسية كعك الورقة، وهو نوع من الحلويات ذات أصل أندلسي، ويُصنع من الطحين والسكر واللوز المرحي، والزبدة، ويُعطّر غالبًا بماء الزهر. وفي مدينة زغوان يتميّز هذا الكعك بتعطيره بالنسري، وهي زهرة جلبها الأندلسيون للمدينة. يكون شكل هذه الحلويات عادةً مدوّر. ويعود أصله إلى العائلات الأندلسية التي هربت من بطش الحكّام الإسبان إلى تونس، فقد عمدت النّساء إلى تخبئة مجوهراتهم وأموالهم وصكوك منازلهم في الكعك عوض حشوه باللوز وبذلك استطاعوا تهريب كلّ ماهو ثمين.
ومن الحلويات التونسية ذات الأصول الأندلسية “أذن القاضي”، وهي تصنع من عجين مكون من الطحين والبيض والزبدة وماء الورد والفانيلا والسكر المطحون، وتباع في شكل أذن. وعن أصل تسميتها بأذن القاضي، يذكر المؤرخون بأن القاضي عادة ما يطلب منه أن يكون له أذان صاغية لسماع الخصمين، وتكون على الأرجح كبيرة، ومن هنا يأتي وجه الشبه بين كبر حجم أذن القاضي، والأذن المقلية. وتبقى قائمة الحلويات التونسية طويلة، غير أنه يمكن الإشارة إلى تميز الحلويات الصفاقسية من حيث تنوعها وجودتها، بالإضافة إلى حفاظ مدينة صفاقس على إعداد خبز العيد، وهو موروث يعود إلى مئات السنين، من حيث المكونات الغذائية، والشكل والوزن، الذي يتراوح بين كيلوغرامينن ويصل إلى سبع كيلوغراماً للرغيف الواحد، حيث يمكن استغلاله لفترة طويلة، إذ يحافظ على صلوحيته تبعاً لتركيبته.
هدايا العيد للأطفال المقيمين بالمستشفيات:
زيارة رئيسة بلدية تونس شيخة المدينة يوم العيد للمستشفى لعيادة الأطفال المقيمين لتقديمهم هدايا العيد وحضورالعرض التنشيطي لإدخال عليهم الفرحة والسرور في هذا العيد
من جانب آخر، تتواصل الإحتفالات بعيد الفطر المبارك داخل العائلات، والتزاور بين الأسر، لتبادل التهاني، وكذلك تنظيم زيارات إلى المستشفيات، وقرى الأطفال لمشاركتهم أفراح العيد، وتقديم الهدايا، وفي نفس الإطار أدت السيدة سعاد بن عبدالرحيم، رئيسة بلدية تونس شيخة المدينة، رفقة أعضاء المجلس البلدي لمدينة تونس، ورؤساء دائرتي المدينة وباب سويقة، والإطارات والمصالح البلدية المعنية، والسيدة الكاتبة العامة لبلدية تونس، زيارة لبعض المستشفيات بتونس العاصمة (العزيزة عثمانة، وشارل نيكول)، وذلك لتقديم هدايا للأطفال المقيمين هناك، بحضور عائلاتهم، كما تم تقديم عرض تنشيطي للأطفال، أدخل عليهم الفرحة والسرور في هذا العيد، وكان لهذا العرض الذي حضرته كذلك مديرة مستشفى شارل نيكول، والإطارات الطبية والشبه الطبية، فرصة للأطفال المقيمين للتخفيف عليهم من وطأة البُعد عن بيوتهم، وهم يتلقون العلاج لفترات طويلة بالمستشفى.