المؤرّخة التونسية جولييت بسيس
إنّها المناضلة اليسارية و المؤرّخة اليهودية التونسية جولييت سعادة، أو جولييت بسيّس بعد زواجها بإلدو ابسيس المناضل ضمن الحزب الشيوعي التونسي. و هي أصيلة مدينة قابس بالجنوب الشرقي التونسي.
لا أريد أن أرهق القراء بتفاصيل ومعلومات حول حياة المناضلة و المؤرخة جوليات بسيس ،بالإمكان أن نجد ها في ويكيبيديا ( الموسوعة الحرة) أو في أي موقع آخر على الشبكة العنكبوتية .
ما جلب انتباهي في الحقيقة عندما اطلعت على تفاصيل حياة جولييت بسيس، هو تشبثها بكونها يهودية تونسية، و تمسكها بوطنها الذي ناضلت من أجله، ليس فقط عند انخراطها في الحزب الشيوعي التونسين و نضالها ضد حكومة فيشي العنصرية، و لكن أيضا لمساهماتها الإبداعية و العلمية في مجال تاريخ تونس المعاصر..
هاته المؤرّخة التونسية لحما و دما، قد تعرّضت هي و زوجها لاضطهاد حكومة الإستقلال التي أرادت سنة 1962 تصفية اليهود من الإدارة التونسية، ممّا اضطرها هي و عائلتها إلى مغادرة البلاد. و رغم ذلك ظلّت جوليات وفية لوطنها الذي ناضلت من أجله، و ظلّت تكتب عن تاريخ تونس و المغرب العربي، و تدرّس تاريخ بلدها و المغرب في الجامعات الفرنسية.
لقد توفيت جوليات بسيس بعد 6 سنوات من الثورة التونسية و بالتحديد يوم 18 مارس 2017. لم أرها في الإعلام التونسي لتحدّثنا عن تاريخ البلاد و عن الثورة…إعلامنا مقصّر بل متخلّف. كان بالإمكان أن يخصص لهذه المؤرّخة و المناضلة العظيمة حلقات، لأنها لم تكن شاهدة فقط على الحقبة الإستعمارية، بل و أيضا هي باحثة في تاريخ البلاد..و أنا متأكد بأن اليهود التونسيون لهم رؤية مغايرة و مختلفة لتاريخ بلادنا. و رغم تحفّظاتي على قناة الجزيرة، فإن برنامج ” شاهد على العصر” هو من أروع البرامج التي يمكن أن يفيد المواطن العربي، وقد ساهم هذا البرنامج بشكل فعلي في إنارة العقول وكشف بعض خفايا التاريخ المعاصر. فلماذا لا يعد الإعلاميون في تونس برنامجا مماثلا لهذا البرنامج؟!
من الواضح جدا بأن هذه الفترة التي تعيشها البلاد هي من أتعس الفترات في تاريخنا،لأن الإعلام و المسؤولين في الدولة، لا يهتمون بالنخب المفكرة و المبدعة.. و قد رحلت جوليات بسيس، كما رحل العديد من العلماء و المفكرين دون أن نستفيد من خبرتهم و من علمهم، فالكتب رغم أهميتها لا تكفي من أجل الإستفادة بما يختزنه المؤرخ أو الفيلسوف أو الأديب من علم و معرفة…خاصّة و أن وطننا يعيش أزمة خانقة في جميع الميادين و المجالات، و تونس في حاجة إلى نخبها و كفاءاتها من أجل أن توضع في المسار الصحيح. فنحن نرى السياسيين كيف يتخبّطون منذ 2011، و قد أوصلوا البلاد إلى حافّة الهاوية و ذلك لأنهم لم يلجؤا إلى انخب المفكرة في البلاد.
جولييت بسيس، كانت مثالا للمواطنة التونسية المحبة لوطنها و قد ناضلت من أجله بكل حب و إخلاص سواء خلال الفترة الإستعمارية أو بعدها..و كانت مثالا للمواطنة التونسية اليهودية المخلصة رغم الظلم الذي تعرّضت له هي وعائلتها سنة 1962، ممّا اضطرهم لمغادرة البلاد..منذ ذلك الوقت و تونس تطرد كفاءاتها و ذلك لغباء كل من تداول على السلطة منذ الإستقلال إلى الآن..ففرنسا مثلا تعج بالأطباء و المهندسين التونسيين، و كذلك بلدان الخليج تعج بالكفاءات التونسية لأن تونس بلد طارد لأبنائه و خاصّة النخب الفكرية التي هي ثروة لا تقدّر بثمن..
جوليات بسيس تعرّضت أيضا للطرد، و لكن لأسباب عنصرية يخجل الإنسان حتى من ذكرها أو الإشارة إليها.