الاحتفاظ والايقاف التحفظي
حددالمشرّع التونسي حالتين يجوز فيهما اعتقال إنسان دون حكم نافذ، وهما، الاحتفاظ والإيقاف التحفظي. فبالنسبة للاحتفاظ ينظمه الفصلان 13 و13 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية وهو من اختصاص بعض مأموري الضابطة العدلية (الشرطة والحرس وأعوان الديوانة) ويُقضى بالأماكن التابعة لمراكز البحث ومدته كانت قبل قانون 26 نوفمبر 1987(الذي أضاف الفصل 13 مكرّر لمجلة الإجراءات الجزائية)غير محددة وينتابها الغموض ثم أصبحت بصدور هذا القانون أربعة أيام قابلة للتمديد مرتين أربعة أيام ثم يومان أي عشرة أيام على الأقصى ثم تم تنقيح هذا القانون سنة 1999 فأصبحت ثلاثة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة لنفس المدة بشرط التعليل ثم تم تطوير إجراءات وآجال الاحتفاظ بقانون متطور هو القانون عدد 5 الصادر بتاريخ 26 فيفري 2016 . أما الإيقاف التحفظي فإنه من اختصاص السلطة القضائية ويقضى بالسجن بمقتضى بطاقة إيداع ومدته القصوى قد تصل إلى 9 أشهر في الجنحة و14 شهرا في الجناية وتوجد أحكامه صلب الفصلين 84 و 85 من مجلة الإجراءات الجزائية.
الاحتفاظ
حافظ التونسي المشرع من خلال القانون الجديد على كل المكتسبات التي تحققت سابقا على مستوى ضمانات الاحتفاظ مع العمل على تدعيمها. فحافظ على الفصل 13 مكرر وزاده فقرات أخرى ساهمت في طوله وتعدد مضامينه.
فالفصل 13 مكرر يتضمن جملة من ضمانات الاحتفاظ التي جاء قانون فيفري 2016 ليدعمها، سواء تعلق الأمر بوثائق الاحتفاظ، أم بحقوق المحتفظ به، أم بتعليل التمديد في قرار الاحتفاظ.
وثائق الاحتفاظ
وهي تتمثل في محضر الاحتفاظ، وسجل الاحتفاظ.
محضر الاحتفاظ
أوجب الفصل 13 مكرّر م.إ.ج على مأموري الضابطة العدليّة تحرير محضر يتضمّن جملة من التنصيصات الوجوبيّة، وهذه الصّبغة الإلزامية المستعملة في الفصل المذكور (“يجب أن يتضمّن”) تؤكّد على محاولة المشرّع التونسي خلق حدّ أدنى من الضمانات التي تخفّف من وطأة الاحتفاظ على ذي الشّبهة وتحفظ جملة الحقّوق التي أقرها له الدستور وكرسها القانون.
وتتمثّل هذه التنصيصات الوجوبيّة في :
-” هوية المحتفظ به وصفته ومهنته حسب بطاقة تعريفه أو وثيقة رسمية أخرى وفي صورة التعذر حسب تصريحه،
ـ موضوع الجريمة الواقع لأجلها الاحتفاظ،
ـ إعلام ذي الشبهة بالإجراء المتخذ ضده وسببه ومدّته وقابليّته للتمديد ومدّة ذلك،
ـ إعلام ذي الشبهة بأن له أو لأفراد عائلته أو من يعينه الحق في اختيار محام للحضور معه،
ـ تلاوة ما يضمنه القانون للمحتفظ به،
ـ وقوع إعلام عائلة ذي الشبهة المحتفظ به أو من عينه من عدمه،
ـ طلب العرض على الفحص الطبي إن حصل من ذي الشبهة أو من محاميه أو من أحد المذكورين بالفقرة السابقة،
ـ طلب اختيار محام إن حصل من ذي الشبهة أو من أحد المذكورين في الفقرة السابقة،
ـ طلب إنابة محام إن لم يختر ذو الشبهة محاميا في حالة الجناية،
ـ تاريخ بداية الاحتفاظ ونهايته يوما وساعة،
ـ تاريخ بداية السماع ونهايته يوما وساعة،
ـ إمضاء مأمور الضابطة العدلية والمحتفظ به وإن امتنع هذا الأخير أو كان غير قادر عليه ينص على ذلك وعلى السبب،
ـ إمضاء محامي المحتفظ به في صورة حضوره
سجلّ الاحتفاظ
ألزم المشرّع مأموري الضابطة العدليّة أن يمسكوا بالمراكز التي يقع بها الاحتفاظ سجلاّ خاصاّ ترقّم صفحاته وتمضى من وكيل الجمهوريّة أو أحد مساعديه وتدرج به وجوبا عدة تنصيصات وجوبيّة من شأنها تدعيم حقوق المحتفظ به .
حقوق المحتفظ به
وهي تتمثل في حق الإعلام، وحق طلب العرض على الفحص الطبي، والحق في معرفة موجبات التمديد في مدة الاحتفاظ.
• للمشتبه فيه الحق في اعلامه بلغة يفهمها بالإجراء المتخذ ضده وسببه ومدته وقابليته طبق مدة التمديد في الاحتفاظ،وحقه في اختيار محام للحضور معه.
• يجب على مأمور الضابطة العدلية أن يعلم فورا أحد أصول أو فروع أو إخوة أو قرين ذي الشبهة أو من يعينه حسب اختياره هو.
• لذي الشبهة الحق في العلم بأسباب التمديد في آجال الاحتفاظ
• كما له الحق في طلب العرض على الفحص الطبي
آجال الاحتفاظ
مدّة الاحتفاظ الأولى لا يمكن أن تتجاوز 48 ساعةبالنسبة للجنايات والجنح.
مع الإشارة إلى أن هذه المدة معقولة وتحقق في ذات الوقت مصلحة هامة تتمثل في الحيلولة دون حصول اكتظاظ داخل محلات الاحتفاظ. ويمكن طلب تمديدها إلى مدة مماثلة بالنسبة للجنايات وإلى مدة 24 ساعة في الجنح. وهو ما يعني أن المدة القصوى للاحتفاظ هي 72 ساعة في الجنح و96 ساعة في الجنايات.
أما بالنسبة للمخالفات المتلبس بها فإنه لا يجوز الاحتفاظ بذي الشبهة إلا المدّة اللازمة لأخذ أقواله على ألا تتجاوز مدة الاحتفاظ أربعة وعشرين ساعة، وهو ما يعني أن مدة الاحتفاظ في المخالفات المتلبس بها قد تكون لساعة أو بضع ساعات فقط وفي كل الأحوال لا يمكن ان تتجاوز أربعا وعشرين ساعة وهي مدة قصوى لا تقبل التمديد مطلقا.
ويمكن القول أن الاستثناء الوحيد الموجود حاليا يتعلق بالجرائم الإرهابية، إذ أجاز الفصل 39 من القانون الأساسي عدد26/2015 ( القانون المنظم للجرائم الإرهابية )الاحتفاظ بذي الشبهة لمدة خمسة أيام.
فيما أجازت الفقرة الثالثة من الفصل 41 من نفس القانون لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس أن يمدد في أجل الاحتفاظ مرتين لنفس المدة، لتكون المدة القصوى الجملية للاحتفاظ في الجرائم الإرهابية خمسة عشر يوما.
الايقاف التحفظي
عرف المشرع التونسي الايقاف التحفظي بالفصل 84 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي جاء به ان الايقاف التحفظي هو وسيلة استثنائية يجب عند اتخاذها مراعاة القواعد الوارد ذكرها بالفصل 85 من نفس المجلة و هي:
وان يقع ايقاف المظنون فيه تحفظيا في الجنايات و الجنح المتلبس بها.
-عند ظهور قرائن قوية تستلزم الايقاف باعتباره وسيلة امن يتلافى بها اقتراف جرائم جديدة او ضمانا لتنفيذ العقوبة او طريق توفر سلامة البحث.
حدد المشرع فترة الايقاف التحفظي بستة اشهر لكنه اجاز لقاضي التحقيق اذا اقتضت مصلحة البحث ابقاء المظنون فيه بحالة ايقاف تمديد فترة الايقاف بمقتضى قرار معلل بالنسبة للجنحة مرة واحدة لا تزيد مدتها على ثلاثة اشهر و بالنسبة الى الجناية مرتين لا تزيد مدة كل واحدة على أربعة اشهر علما و ان القرار القاضي بالتمديد في فترة الايقاف التحفظي قابل للاستئناف
وتجدر الاشارة الى ان الفصل 85 من مجلة الاجراءات الجزائية اقتضى بفقرته الاخيرة بانه يتحتم الافراج بضمان او بدونه بعد الاستنطاق بخمسة ايام لفائدة المظنون فيه الذي له مقر معين بالتراب التونسي ولم يسبق الحكم عليه بأكثر من ثلاثةأشهر سجنا إذا كان اقصى العقاب المقرر قانونا لا يتجاوز العام سجنا.
سلطة الايقاف التحفظي
بالرجوع إلى مجلة الإجراءات الجزائية يمكن تقسيم السّلط القضائية المختصة بإصدار بطاقات الإيداع إلى ثلاث سلط، أصلية وثانوية واستثنائية. اما بالنسبة للسلطة القضائية الأصلية المخول لها إصدار بطاقات الإيداع فهو قاضي التحقيق بالنظر إلى أنّه السلطة الابتدائية في التحقيق، وباعتبار أنّ البطاقات القضائية وردت في القسم الرّابع من الباب الثّاني من مجلة الاجراءات الجزائية المخصّص للتّحقيق وتحديدا في الفصل 80 وما بعده، وهي فصول تعطي الاختصاص الأصلي في إصدار هذه البطاقة باعتبارها وسيلة استثنائية لقاضي التحقيق. أما السلطات القضائية المخوّل لها إصدار بطاقات الإيداع بصفة ثانوية فهي إما دائرة الاتهام أو المحكمة.
وبالنسبة لدائرة الاتهام فقد خوّل لها الفصل 117من مجلة الاجراءات الجزائية إصدار بطاقة إيداع «دائما» ضدّ المظنون فيه، وهذا الاختصاص الثانوي لدائرة الاتهام مرتبط بالحق الذي خوله لها المشرع في الفصل 116 من مجلة الاجراءات الجزائية، والمتمثل في إمكانية قيامها بالإذن بإجراء تتبّع جديد أو بحث تكميلي وهو ما قد يتطلّب أحيانا إصدار بطاقة إيداع ضدّ من سيوجه إليه الاتهام.
وحسب الفصل 169 من مجلة الاجراءات الجزائية والذي اقر انه: ” إذا ظهر أن الجريمة من خصائص محكمة أخرى تصدر المحكمة حكما بخروج القضية عن أنظارها وتنهي أوراقها إلى ممثل النيابة العمومية. ولها أن تصدر عند الاقتضاء بطاقة إيداع ضد المظنون فيه أو تأذن بالإفراج عنه مؤقتا بضمان أو بدونه”.
حسب الفصل 202 من نفس المجلة، يمكن لقاضي الناحية في مادة المخالفات: ” أن يبقي المظنون فيه تحت طلبه بمقتضى بطاقة إيداع إن كان بحالة سكر أو عجز عن التعريف بنفسه أو كان لا مقر له معين أو كان يخشى وقوع التشويش من سراحه”.