الدورة الافتتاحية “لنتغنى بالحياة” ببرج القلال: مهرجان ثري وجميل ومتنوع
عرفت الساحة الثقافية الفنية بصفاقس نموا متزايدا وسريعا، في السنوات الأخيرة، للمجموعات الموسيقية النسائية تجاوز نسيجها الثلاثين فرقة. واكثر هذه المجموعات حضورا واشعاعا، تبقى فرقة طوق الياسمين التي تالقت بمسرح بلدية تونس، وبقاعة الأوبرا بمدينة الثقافة الشادلي القليبي، بعد ان مرت بتجارب ناجحة بمدينة صفاقس. وتعتبر جمعية نادي الأصيل بصفاقس اول من بعث مجموعة من المغنين الهواة منذ سنة 1984.وقد تفرع عنها نادي الأصيل 2 ونادي الاصيل3 وضمت عناصر شابة تواقة للعزف والغناء في دائرة الهواية.
وبدأت هذه المجموعات الموسيقية النسائية تخلق تقاليد موسيقية، وتحولت في ذات الوقت إلى ظاهرة اجتماعية طارئة. تشهد على ذلك العديد من المنازل والابراج والنوادي التي تحتضن تمارين وتدريبات هذه الفرق الموسيقية الهاوية، والمتكونة أساسا من النساء باختلاف افاقهم المهنية والثقافية والعلمية. ولا شك تحقق فيها الموسيقيات الهاويات أحلامهن في رؤية الحياة اكثر صفاء ووئاما، وربما علاجا “تايرابي” من زحمة الحياة ومتاعبها والفراغ الشامل القابض على المدينة.
من هنا جاءت “فكرة من ذهب” لجمعية أحباء الفنون الموسيقية بصفاقس(نبيلة مزيو التريكي-رئيسة) والهيئة المنظمة للمهرجان(عائدة السلامي الزحاف- منسقة). واثمرت هذه الشراكة على تكريس الفكرة الذكية اطلاق الدورة الافتتاحية التي أسندت ادارتها الى الفنان محمد كمون تقديرا لمشواره الفني ومواهبه الفنية. وانتظمت الدورة 1 تحت عنوان “نغني الحياة” ومن رايي الأفضل ان تكون ترجمة هذا الشعار تحت عنوان “نغني للحياة” أو ” لنتغنى بالحياة” .
ذكر لنا الفنان محمد كمون ” ان هذا المهرجان انتظم ببرج القلال ايام 2 و3 و4 ماي الجاري. بمشاركة 12 مجموعة موسيقية من جملة 24 مجموعة وجهت لهم الدعوة لدخول تجربة هذه الدورة التأسيسية. يعني ان 12مجموعة لم ترغب في المشاركة وحضرت الاجتماع التمهيدي، وليس بالضرورة ان الحاضرين افضل من الغائبين والعكس صحيح؟ ورتب البرنامج على أساس 4 مجموعات يوميا طوال ثلاثة ايام”. وتبقى قاعدة الهواية اسلم وأرقى دائما من الاحتراف.
ولا شك ان برج القلال أصبح يحظى برمزية ثقافية وفنية، ويحظى بصيت محلي ووطني في ذاكرة عدد هام من اهل صفاقس، وببعد تاريخي لمعمار هذا البرج الذي يعود الى القرن التاسع عشر ووقع ترميم في بداية القرن العشرين كما يذكر لي صاحبه الأستاذ الصديق عبد السلام القلال.
وهذا المهرجان علاوة على انه أظهر لأول مرة مجموعات موسيقية كانت تشتغل الى يومنا هذا في الظل او في الزاوية المخفية، أعطاها الفرصة لرسم مسارها الهاوي لكن بحد أدنى من البراعة والاحترافية، وبالتالي من شانه أن يساهم في تسريع وإنضاج عملية التطور لهذه المجموعات، وهي كذلك فرصة مثالية للتقارب والتعاون. وفي هذا السياق ادار الفنان محمد كمون حوارا حول “تطور المجموعات الغنائية الهواة وتأثيرها على المستوى الفردي والاجتماعي”
تواصلت كل السهرات من السابعة مساء الى ما بعد العاشرة ليلا والذي سجلنا فيها بعض الانطباعات الخصوصية التي شعر بها المرء عند حضوره هذا المهرجان :
أولا- الشعور بالمتعة لقضاء وقت ممتع وفي جو حميمي مع الأصدقاء وهواة الفن من الجنسين واخذ الشحنات الكافية من الموسيقى
ثانيا- أظهرت السهرات تناسقا وتكاملا وانسجاما على الرغم من الاختلافات في النهل من معين الموسيقى (مالوف، طرب تونسي، شرقي، غربي، أغاني الأفلام )
ثالثا- أتيح للمشاركين من المجموعات الموسيقية التفاعل الحي مع الجمهور وقد يكون ذلك لأول مرة تحت سقف مهرجان. ومن ناحيته تجاوب الجمهور بشكل كبير مع الفرق المختلفة بعد ان حقق متعة العين والاذن والذوق
رابعا- حرص المنظمون على تزيين خلفية المنصة بصور توحي للزائر انه في برج تقليدي له رمزية تاريخية، وكانت الإضاءة مشرفة جدا. ويذكر الكثير الفنان زياد غرسة الذي انتفض 6 مرات على الإضاءة بالمسرح البلدي في الدورة الرمضانية الماضية.
طبعا لم نكن إزاء فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقى العربية أو مسرحيات الرحابنة الغنائية ! ورحلة ألف ميل تبدأ بخطوة. وتقول الذاكرة الموسيقية الكلاسيكية بصفاقس ان الفرق كانت تدعو اسماء مشهورة في العزف او الطرب …لتدريب الأعضاء من تونس وإيطاليا ومصر، وتعاون هذه المجموعات الموسيقية الهاوية قد يفتح افاقا فنية ثابتة وواعدة.
وصفوة القول هذا المهرجان تميز بالموسيقى الجماعية هي مركز الاهتمام فلم يغن أحد بشكل فردي. وبشكل عام سمعنا موسيقى جيدة ذات طابع عائلي هادئ، وامتازت فقرة أغاني الأفلام في حفل الافتتاح بالتنوع والطرافة في السيناريو والسينوغرافيا. ويمكن ان نضيف ما حظي به المهرجان من دعم من القطاع الخاص ومن دعم مماثل من المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية ومن بلدية قرمدة بالحضور والتشجيع والتثمين كما اشتمل المهرجان بالموازاة على سوق صغيرة حفلت بأصناف متعددة من الصناعات التقليدية .
وفي كلمة كتب الصديق وجدي الشريف دمق وهو الشغوف بالموسيقى والإعلامي البارع بإذاعة صفاقس كل يوم سبت في برنامج مهدي قاسم، كتب قبل بداية المهرجان تدوينة قال فيها اننا سنكتشف طاقات(هاوية) خلاقة ومبدعة في هذا المهرجان. ويبدو هذا ما حصل والدليل على ذلك لم يخف أي طرف الرغبة في معاودة التجربة السنة القادمة، وان يصبح هذا المهرجان تقليديا ويظهر في كل سنة بطابع جديد.