حوار مع الإعلامي و الكاتب رياض يعيش
رياض يعيش من الإعلاميين الجادين بإذاعة صفاقس … حمل قلمه مؤخرا للكتابة في زمن خذل فيه الناس القراءة … وصدر له كتابان ” أشرق قبلهم ” و ” ما تمنحه يعود إليك “… التقيت به أنا ليلى العود وكان لي معه هذا الحوار .
أستاذ رياض كيف تقدم نفسك للقراء؟
– مواطن عادي وكل ما يرجوه من الله أن تكون حياته غير عادية، إعلامي يجتهد دائما بأن يحضى برضا الميكروفون الذي يربطه بالمستمعين ، ومدرب يعمل جاهدا على زرع الأمل والعلم والأمل في قلوب وعقول من يقصده ، ومحاضر يسعى بقوة من أجل التغيير والتطوير ، وكاتب يحمل قلمه عاليا من أجل ترك أثر ينفع العباد والبلاد.
جمعت بين عالمين جميلين الإعلام المسموع و الكتابة فأين يلتقي رياض الإعلامي و رياض الكاتب وأين يفترقان؟
– هي تجربة مشرقة ، دخلتها حاملا صوتي المسموع و المكتوب من أجل إنسانية الإنسان التي أؤمن بها عبر الكلمة الملكة، كنت دائما ما أسعى إلى إتمام مشروع نابع من أهدافي الضخمة عبر التواصل المفتوح مع أفكاري و مشاعري بأعمق مستوى من الإدراك حتى أحلق مع المستمع والقارئ إلى الأعلى والأسرع و الأبعد ، و الإعلام المسموع و الكتابة عالمان مغريان فيهما عثرت على الإنسان و القيم و الجمال و الإبداع و الشغف و الرغبة و القدرة من أجل نجاح ملتصق و هذه بوصلتي بحثا عن الجيد والجديد بين ثنايا صخور الحياة.
المسموع والمكتبوب ألتقي معهما من أجل باقة فكرية و شعورية و إدراكية للوصول إلى مرتبة الوعي الذاتي و الجمعي، مع من يصغي إلي و مع من يقرأ لي و هنا يلتقيان ، و أما أين يفترقان فإني أرى الكلمة المكتوبة تمتاز بالدقة وتحملك مسؤولية أكبر و أخطر، فما يكتب يبقى على الورق و يعود إليه بذاكرتك و نظراتك و بصيرتك…إنه طويل العمر.
جرت العادة أن يقرأ الكاتب قبل البدء في الكتابة فهل كنت قارئا جيدا و ما هي أنواع قراءاتك؟
– إن القراءة عندي رياضة فكرية بل هي غذاء للفكر و الروح لا يقل عن غذاء البطن و الجسم و إذا كان العقل مرآة الإنسان فإنه في حاجة ملحة للالتصاق بالكتاب و جعل القراءة عادة يومية.
أقرأ كثيرا ، أقرأ يوميا و في كل سنة أحاول تحطيم رقم قياسي جديد ، أستخرجه من أهدافي التي أحددها في نهاية و بداية كل سنة ، و لقد قرأت خلال سنة 2023 (85 ) كتابا و أسأل الله أن أقرأ خلال سنة 2024 (100) عنوانا جديدا.
أهتم في مطالعاتي بكل الأجناس و عادة ما أركز أكثر على موضوع الكتاب الجديد الذي أخطط له و أسعى لإصداره ، و ما بقي أخصصه لكتب علم النفس و علم الاجتماع و الانتروبولوجيا و التاريخ و الدين و الرواية و آخر ما ظهر من دراسات و اختراعات و اكتشافات.
لكل مفكر أيديولوجية لا تسمح له بالحياد في أعماله الفنية والأدبية، فإلى أي أيديولوجية ينتمي فكر رياض يعيش؟
– لئن كانت الأيديولوجيا كلمة يونانية منقسمة إلى قسمين – الأول يعني الفكرة والثاني يعني العلم -فإن هذا المصطلح تطور مفهومه بأن أصبح يهتم بمجموعة من الأفكار و القيم التي تبين رؤية من يتبناها لواقع الأمور السياسية، و إنني أنتصر للمفهوم اليوناني القديم فأقول إنني أنتمي إلى أيديولوجيا الفكر من منطلق داخلي ملتصق بالذات و ليس الآخر دون إغفال الإدراك و التقييم و التماسك و المرونة و إن عقلي له أشرعة متينة لا تسمح بالغزو الإيديولوجي.
نسبة القراءة في تونس و في الوطن العربي ككل نسبة مخجلة فما الذي جعلك لا تيأس و تحمل قلمك للكتابة؟
– إنه لأمر مخجل و مخز أن أقول لكم إن ما ينتجه الكيان الصهيوني الغاصب من كتب يفوق ما تنتجه كل البلدان العربية و بما أن هذا حال المطالعة في وطننا فإني أعمل على جعل الكتاب أقرب ما يمكن من قلب و عقل الإنسان في بلدي … إني أعشق ركوب المخاطر و لا أخشى البلل عند الإبحار في محيطات الأيام … لقد علمتني مدرسة الحياة أن أكون متجاوزا تلقائيا و لن أنساق خلف قانون السرب في كل مجالات حياتي و إن انتابني الألم – لأن الألم معلم كفؤ- … لذلك أتوق إلى تحويل المحنة إلى منحة و لن أغرق في مستنقع الإحباط بل أعمل على إحكام قبضتي على أفكاري و مشاعري محاولا المساهمة في تغيير ما يمكن تغييره ، فشرف الإنسان في المحاولة يوما ما سيتغير المشهد و سنشهد في كل بيت مكتبة.
ما هي الحلول العملية للترغيب في القراءة خاصة مع عدم استمرار بعض المبادرات مثل مبادرة “تونس تقرأ” ؟
– حين تصبح القراءة حبا عائليا و تكون الأسرة التونسية قارئة و نرى مكتبة منزلية في كل بيت لن نحتاج إلى مبادرات رسمية للترغيب في المطالعة.
كتابان صدرا لك ” ما تمنحه يعود إليك ” و ” أشرق قبلهم” فمن هو جمهورك المستهدف في الكتابين و ماذا أردت إيصاله له؟
-في البداية وعند إصداري لكتاب أشرق … قبلهم سنة 2022، كنت أعلم أن أغلب قرائي سيكونون من مستمعي برامجي، غير أن هدفي الأكبر هو أن يصبح لي قراء لما أكتبه، و هذا ما أراه يتحقق كل يوم وخاصة مع كتاب: ما تمنحه يعود إليك، الذي صدر في خريف سنة 2023. كل شرائح المجتمع أكتب لها، من الصغير إلى الكبير، و كل ما أرجوه أن تساهم كتبي في جعل الناس يندفعون دون مشقة نحو الأمام والأعلى بحثا عن النجاح والسعادة من أجل تخطي عقبات الحياة باعتماد بوصلة التغيير و التطوير.
أصل بك الآن إلى الثورة التونسية ..كيف تقبلتها و قرأتها؟
– لقد عشت اللحظات الأولى من الثورة التونسية بكل تفاصيلها، لقد كنت في انتظارها، بل أنني تنبأت بها. خرجت إلى الشارع كما خرج شرفاء بلدي و شاركت في برامجي الإذاعية دعما للثورة، و كنت مبتهجا بإيجابية الشعب في الأحياء و الشوارع و الأزقة و الحافلات و الساحات و الإدارات. كانت هناك هبة إنسانية و كان هناك تضامن إجتماعي أذهل العالم.
وحيث كنت انتظر هبة مماثلة من السياسيين والمفكرين و الفنانين، بدأت أشعر بأن هذا الحلم يقترب من السراب، لقد مر كالوميض وسرعان ما اغتصبته عصابات البورجوازية القذرة و المتمعشين و الانتهازيين و بعض أنظمة الاستبداد الغربية و العربية.
الشعب التونسي طالب أثناء ثورته بالحرية والكرامة ، لكن لم ينل الكرامة حيث نجده اليوم يصطف للحصول على مستحقات الحياة اليومية و حتى حريته باتت مهددة فما أسباب تعطل مطالبه ؟
– لقد ظهر جيل سياسي جديد غير متمرس بدواليب الحكم و لم يكن حاضرا لتحمل المسئولية، إلى جانب استعجاله البروز والشهرة والمصلحة … في المقابل برزت النسبة الممتدة من الفساد في البلاد. إننا نحتاج إلى إعادة بناء الإنسان من الداخل، نحتاج إلى عودة الصدق و الأمانة و الكرامة و العلم و العمل.
انقسم الشعب التونسي حول إجراءات 25 جويلية 2021 فمنهم من اعتبره انقلابا على الثورة ومنهم من اعتبره تصحيح مسار ..فماذا عن موقف رياض يعيش؟
– إن إجراءات 25 جويلية، أعتبرها تصحيح مسار، ولقد بينت الوقائع حجم الدمار السياسي في الأحزاب التونسية ومجلس النواب والذي كشف فسادا ماليا وتجاريا وأخلاقيا…
إلا أن هذا التصحيح يحتاج إلى مراجعة جذرية بتشريك شرفاء وخبراء البلاد في إيجاد الحلول الضرورية للإقلاع العميق في كل المجالات، واعتماد سياسة اتصالية فعالة تحسن مخاطبة الشعب وتنير له السبيل.
المشهد الثقافي كان قبل الثورة التونسية خاضعا للسياسي فهل تحرر المثقف بعد الثورة ؟
-لم يتحرر المشهد الثقافي بعد الثورة. بعض المثقفين يسكنهم هاجس الخوف أو التمعش أو اللامبالاة أو الانتهازية أو” اخطئ راسي واضرب” … إن المثقف الحقيقي ثائر فكريا يوميا وهو لا يحتاج إلى ثورة ليثور. حين يكون المثقف وطني وواع بقضايا وطنه أيام السلم سيكون كذلك أيام المحن !!!
وهل الأزمة منحصرة بين المثقف والسياسي فقط في عالمنا العربي أم تعدت إلى أزمة بين المثقفين والتجاذبات والتحاسد بينهم ؟
-جزء من الأزمة منحصر بين المثقف والسياسي والجزء الأكبر بين المثقف والمثقف. ما أراه أن عقدة البطل والأنا المزيفة تعشش في عقول نسبة هامة من المثقفين، حيث التهم المجانية والسب العلني والتحاسد البغيض والنميمة الثقافية والغيبة الإعلامية. إنها أمراض فتاكة انهكت المجتمع وجعلت المثقف يعيش هزيمة ذاتية تحتاج إلى وقفة داخلية . ورغم هذه الصورة القاتمة أرى بصيص أمل في مبادرات شبابية واعدة، لذلك انتصر لفكرة فسح المجال للطاقات الشابة لتحمل المسؤولية الثقافية.
وما هي الحلول للارتقاء بالمشهد الثقافي لتكون للمثقف مكانته الطليعية في نصرة قضايا الأمة وهويتها خاصة وقد انقسم المثقفون منذ عقود بين قسم منسلخ عن هويتنا وآخر محافظ عليها ؟
– الحل في رأيي هو في إعادة تجميع المثقفين الأحرار الذين استقالوا وابتعدوا وهمشوا. لنا في هذا الوطن مثقفون من رواد الفكر والحداثة الذين بإمكانهم تغيير المشهد الثقافي العربي بالاستماع إليهم وتقدير تجربتهم وسيتغير عندها كل شيء نحو الأفضل وستعود الهوية العربية إلى صورتها الناصعة.
و ماذا تقول لنوع من المثقفين لا ينزلون من أبراجهم للبسطاء من الناس وما يعانونه من أزمات و صراعات مع ذواتهم و مع ضغوط الحياة التي تسطح الفكر وتغيب الوعي؟
-من أنت حتى لا تنزل من برجك؟ ، إن المبدع الذي ينسى إنسانيته ولا يتنفس هموم ومشاغل الناس لا يٌنتظر منه ما ينفع المحيطين حوله. هذا “المثقف” يعيش فوضى أفكار و مشاعر و قيم، بعيد عنه الإدراك ولا أراه ينعم بالاحترام الذاتي وعليه أن يدفع ضرائب الفكر والشعور قبل أن يدفع ضرائب القباضة والدولة.
من الهتافات التي هتف بها الشعب التونسي أثناء الثورة وكذلك شعوب الربيع العربي ” الشعب يريد تحرير فلسطين” فما أسباب عدم التقاء رغبة الشعوب مع أنظمتها ونخن نرى خاصة المواقف المخزية لهذه الأنظمة خلال ” طوفان الأقصى ” الذي انطلق يوم 7 أكتوبر الماضي
– هذه نتيجة حتمية ومنتظرة، فأنت تحصد ما زرعته ذات يوم، وما تسعى إليه يسعى إليك. إن غياب الرؤية و الأهداف والتخطيط والقيم و ضعف برامج العلم والعمل تجعل الشعوب تائهة، لا أمل لها ومستقيلة ومحبطة. أرهقتها المطالب اليومية المتأكدة، فكانت النتيجة بروز أنظمة غير مهتمة إلا بما يشبع نهمها وكرسييها. وإن عدم التقاء رغبة الشعوب مع أنظمتها خلال طوفان الاقصى مردّه الهوة السحيقة بين أهداف الخاصة وأهداف العامة. هذا المشهد البشع طال وأرجو أن نعيش لنرى تناغما عميقا بين الحاكم والمحكوم في قضايانا الوطنية وخاصة أم القضايا “القدس”.
وكيف السبيل لاخضاع هذه الأنظمة للارتقاء إلى مواقف شعوبها؟.
– النضال المستمر، هو الحل، علينا أن نتغير جميعنا ونخرج من ذهنية الضحية لندخل إلى ذهنية المنتصر حتى نتحمل مسؤوليتنا التاريخية. إن الأنظمة المتخاذلة هي نتيجة حتمية لتخاذل شعوبها. حين يتغير ويتطور الشعب سيأتي اليوم الذي يرتقي فيه النظام السياسي إلى موقف شعبه.
ولماذا تغيب القضية الفلسطينية بصورة كبيرة في كتابات المثقفين وهل تفكر في التطرق لهذه القضية في كتاباتك المقبلة؟
تغيب القضية الفلسطينية في كتابات أغلب المثقفين لغياب الوعي بقضايا الأمة. إننا نرى العديد من المنتديات والندوات واللقاءات والمهرجانات التي يؤثثها بعض المثقفين لتقديم الولائم والتكريمات المشبوهة والجوائز المطبّعة. يشارك فيها قليل من المثقفين ويغيب عنها كثير من المواطنين. نعم، هناك بعض المبادرات في تونس مقارنة بكثير من البلدان العربية والإسلامية. الشعب التونسي، يناصر القضية الفلسطينية ويدعمها ولكن يبقى هذا الدعم مناسباتي ولا يمتد طيلة العام، ويظهر خاصة كلما اشتد القصف الصهيوني على الأراضي الفلسطينة. أرجو أن يكبر الوعي بقضايانا الكبرى وإن شاء الله سأعمل على الكتابة حول القضية الفلسطينية بأسلوب مغاير. وإني أرى امامي النصر القريب. هكذا هو وعد الله جل في علاه.
وكيف ترى نهاية الصراع مع العدو الصهيوني ؟
– إن الصراع الفلسطيني مع العدو الصهيوني يشهد قفزة كفاحية نوعية، فبعد أطفال الحجارة والنضال السياسي والاجتماعي المعتاد أصبح للمقاومة بندقية واستراتيجية نضال ترفع الرأس. وان كانت الضريبة المدفوعة مؤلمة فإننا حين نقرأ التاريخ بتدبر ندرك أن زوال ما يسمى “إسرائيل ” قريب جدا… إنه وعد الله.
أعود بك إلى كتابك “أشرق قبلهم” فأي قضية يقول لنا رياض يعيش فيها “أشرق قبلهم “؟
– أقول أشرق…قبلهم
* لمن يشعر أنه عالق وغير متوازن
* لمن يشعر أنه جاء إلى الأرض لتحقيق شيء مميز لكنه لا يعرف ماهيته ولا كيفية تحقيقه
* لمن يعرقل نفسه ويكون عقبة في طريقه الخاص
* لمن وجد الشجاعة للتعلم من أخطائه
* لمن اهتدى إلى بناء سيناريو جديد لحياته
* لأمتنا العربية والإسلامية المتخلفة عن ركب الحضارة
* للمواطن العربي الذي لا يقرأ ولا يكتب ولا يسأل ولا يتكلم ولا يهتم.
من يدري لعل هذه الرسائل الخاصة تكون منطلقا و تتحول إلى كتاب جديد.
أستاذ رياض شكرا على رحابة صدرك وماذا تقول لقراء شمس الجنوب ولمحاورتك ليلى العود وللإنسان أينما كان؟
– أقول للإنسان أينما كان ” لا تسمح للماضي بإعاقتك وأسكت ثرثرة عقلك السلبية وتدبّر هذه الكلمات: عقلك أداة يمكنك إستخدامها كما تشاء إذا أردت أن تغير وضعك وتطويره، صرّح بذلك لذاتك الواعية… ردد ذلك مرارا واعتبر كل لحظة من لحظات حياتك بمثابة بداية جديدة، وإن قوتك العظمى تكمن دائما في داخلك وفي اللحظة الراهنة، إنها تشكل تجربة الغد كي تستخرج النصر من باطن حطام تجاربك وإخفاقاتك وستفوز، كما لا يشك أحد في أن الشمس تشرق من الشرق وتغرب من الغرب”.
و أقول له أيضا :”هناك حياة وفيرة في انتظارك إذا حوّلت “لا أستطيع” إلى ” أستطيع”و كلما قررت التغيير والتطوير في حياتك، كلما كان الغوص عميقا في داخلك، فانتبه إلى ما تختار من أفكار و مشاعر و أفعال…إنك تحصل على ما تركز عليه فكريا وعاطفيا، وستحتفل برقصة نجاحك إذا أعلنت تفردك وسط الزحام”.
ولمحاورتي أقول :” شكرا ليلى العود ..سعدت بأسئلتك وبلهيب نارها، إنها ملهمة وجاذبة للوعي والبهجة”.
و شكرا “شمس الجنوب” رائدة الإعلام الجهوي. و تحية ود إلى قرائها.