أليس سارق المتاع أشرف من سارق الأوطان..؟
أنا أعلم، يا عزيزي، انه اُسقِط في يدك ليلتها لما زرتني، لقد كنتَ ولا شك تتنقل من مكان إلى مكان تجتاز الستائر والطوابي تتوقى الكلاب والعباد، تتلمس الطريق في الظلمة برجل حافية لعلك هكذا اقدر على التحكم في ملامس الأرض واقدر على امتصاص الحركة الزائدة التي تشوش راحة النائمين. كنت تتخير فريستك في تلك الليلة تنظر يمنة ويسرة تمني النفس بصيد ثمين. صادفتك سيارتي الرابضة عند مدخل المسكن، لست ادري ما دار بخاطرك وقتها، ولكني مقـتنع بأنك أحسنت الظن بي فتوقعت انه سيكون لك من متاعي ما تحقق به ضالتك، فاندفعت نحو السيارة وأخذت تعالجها برفق فلم تشأ ان تهشم زجاجها مخافة أن يصدمني ذلك صدمة قد تجعلني أتجاوز حدودي.. تهيأ لك ولا شك أنني سأمنحك فرصة الحصول على ما كنت تبغي فلا اقل- والحالة تلك- من ان ترعى مشاعري وتقتصد في لوعتي.. واندسست داخل السيارة يلفك صمت مطبق.. كانت الساعة الثالثة فجرا وكان النائمون غارقين جُوَّ بيوتهم ففتحت الدواليب وفتشتها بعثرت أوراقها.. مررت يدك بين الثنايا تفحصت كل شيء قرأت او حاولت ان تقرا او خُيّل الي ذلك فانا لم افهم من امرك شيئا كثيرا: لم تكن كأمثالك من اللصوص لا بالطول ولا بالعرض، اجتهدت وحرصت الحرص كله على أن تنجز عملك بترتيب تام وبإتقان كامل لكنك لم تظفر مني بشيء.. ولهذا السبب أحسست بضيق في صدري وتألمت ، فأنت لما تخيرتني رفعت من شأني درجات فجعلتني ثريًّا كريما حليما، أغرّتك بعض المظاهر فجعلتك تتوقع بأنك ستنال من زادي ما يغنيك عن السؤال ويرفع عنك ضيق الحال غير أني لم أكن عند حسن ظنك بي إذ لم تجد عندي ما منّيت به نفسك. ما حيلتي وأنا لم أكن اعلم بمشروع زيارتك لسيارتي، لو علمت، لو وعيْت حسن ظنك بي، لفعلت شيئا ما حتى لا أجعلك تخذل في مسعاك، لذلك اعتذر إليك ايها اللص واطلب عفوك وآمل ان تلقاني في قادم الأيام بأحسن حال حتى لا ينالني سخطك وغضبك وحتى لا تندم على حسن ظنك بي. انه يعز علي ان أتسبب في إفشال مشروع احد أحسن الظن بي حتى ولو كان يهدف لأخذ متاعي بغير حق..
والحقيقة يا صديقي اني كدّت أسيء إليك فأجردك من خصال اللصوصية لو لم تفعل ليلتها بسيارة أخرى ما فعلته بسيارتي فقد تخيرت السيارتين معا وأصدرت فيهما حكمك القاسي ولقد أدركت بموجب ما خططت انك لص بلا منازع غير انك كنت لصا فاشلا خابت آماله تماما مثلما خابت آمال لص آخر من طينة ثانية ومن مدرسة مغايرة لص سارق غرَّه السراب فاندفع يلهث حتى ارتطم رأسه بالصخور فانثنى لا يلوي على شيء. زميلك يا هذا طغت عليه صفته التي جمعتكما غير انه يمارسها في وضَح النهار بلا قفاز ولكن بمنتهى المواربة. انه ذاك الذي يتسلل في الأسواق خارج دائرة نشاطه الرسمي يعرض خدماته الإنسانية على أولئك الذين عجزوا عن توظيب أمورهم على الوجه الذي يرونه لدى أجوارهم وزملائهم وبعض أقاربهم- إلا أن عجلة الزمن توقفت بهم دون تحقيق المراد: عجزوا عن توفير الدواء لام عجوز نهكها الداء، عن إشهار فرحة ابن اجتهد فنال شهادة الفوز بتفوق لافت، عجزوا عن مراوحة خفيفة بين الآجر والاسمنت للإحساس بفرحة الحياة، عجزوا عن تجهيز عروس أحبت الا تضيع منها فرصة فرحة العمر، ويجيء اللص السارق “مخلص الأحوال” ليقدم خدماته بابتسامة مصطنعة، ليفتح الأبواب من جهة، ثم يحكم وضع الأصفاد حول المعاصم والعنق، انه – المرابي– الذي ألفه القاصي والداني يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب. هو سارق او هو لص بكل ما في الكلمة من سقط المعاني ..
ما عساي قوله عنكما في تقاطعات عالم اللصوصية؟ أقول انك أنت كنت في هذا العالم أنسانا في صورة شيطان فيم كان زميلك المرابي شيطانا في صورة ملاك على معنى انك من خلال ممارسة السرقة كنت رمزا للرحمة بفريستك فنزلتها منزلة من يرف قلبك بحبهم.. وكان زميلك رمزا للخسة والنذالة على اعتبار انه جاروشة حصد المكاسب طولا وعرضا.. وان كنتما كذلك فان في مجتمعنا اليوم نمطا آخر من البشر يسرقونك على المباشر قد لا يستولون على متاعك ولا على حصيلة جهدك اليومي، وقد لا يربكون توازناتك في الكسب والإنفاق، بل ربما قدموا لك الإكراميات وعرضوا عليك حبل وصلك بمنابع الربح الوفير لانهم، في الحقيقة، يستهدفون مقومات فضاء وجودك والهواء الذي تتنفسه والحرية التي انعم الله بها عليك وجملة عناصر الحياة والوجود.. يترصدون عبّة الهواء التي تستنشقها وأحلام المستقبل، وجادة المصير، يستهدفون قواعد الوجود التي ترتب فيك عناصر التميز التي خصك الله بها من دون مخلوقاته، إنهم أبوا ألا أن يجردوك منها، باختصار أولئك يقطعون أنفاسك ليجعلوك بهيمة تنقاد لهم كالضباع.. شغلُهم حبْك المناورات لاستهداف أرضك ووطنك أولئك هم لصوص الأوطان يستولون عليها ثم يقدمونها أرضا مصادرة وشعبا عبيدا في أعناقهم سلاسل الانقياد.. فهل أدركت الآن يا “لص” من هم سرّاق الأوطان ولصوصها، أنهم أولئك وانك لأشرف منهم لو كانوا يعلمون.