“المشطية الجبنيانية” محور تظاهرة ثقافية تنموية تسعى إلى الحفاظ عليها كتعبيرة من تعبيرات التراث اللامادي
الإحياء والابتكار والإبداع والتمويل والترويج والإنقاذ من الاندثار، تلك هي أبرز رهانات ومدارات الدورة الرابعة لمهرجان المُشطية بجبنيانة (ولاية صفاقس) التي انتظمت هذه السنة يومي 14 و15 ماي 2022 بترتيب من الجمعية النسائية للمحافظة على الاسرة بجبنيانة ودار الثقافة فيها وبمشاركة عدد هام من الحرفيات والمثقفين وأحباء التراث وممثلي عديد الهياكل الثقافية والتنموية على غرار جامعة صفاقس ومندوبية السياحة وبلدية المكان.
في هذا الإطار، احتضن بهو مقام سيدي أبي إسحاق بجبنيانة، اليوم الأحد، ندوة فكرية تحت عنوان “المشطية تراث وتسويق” قدم خلالها ثلة من الباحثين والجامعيين والخبراء مداخلات تناولت عديد المواضيع المتعلقة بهذا المنتوج التقليدي المميز لجهة جبنيانة ولا سيما تطوير استخداماتها المتنوعة في أوجه متعددة من أوجه وأنماط الحياة المتطورة اليوم وفي عديد المجالات منها المجال السياحي والتزويق والتأثيث واللباس.
ووصفت رئيسة الجمعية النسائية للمحافظة على الاسرة بجبنيانة، صباح بن حسونة، في افتتاح هذه الندوة الدورة الرابعة للمهرجان ب”دورة التأصيل والوفاء للحرفيات الصامدات المثمنات للتراث ومنهن الحرفية الراحلة حسناء السبعي التي تحمل الدورة اسمها تكريما لها ولما قدمته لفائدة الصنعة والثقافة والتراث”.
من جهتها، اعتبرت الأستاذة الباحثة، رحمة ثابت، أن مهرجان المُشطية الذي يندرج ضمن فعاليات شهر التراث مناسبة لدراسة اللباس التقليدي كعنوان من عناوين الهوية الثقافية والتراثية مشيرة إلى أن المُشطية “منسوج ولباس من أصول أمازيغية” (شكل الرقمة فيه مستوحى عادة من الوشم) ترتديه المرأة الجبنيانية كغطاء يوضع على الرأس (بمقاييس 5 أذرع طولا و3 أذرع عرضا)، ويعتبر هو الأقدم تاريخيا حسب عديد المؤرخين من بينهم ابن خلدون (مقارنة مع غيره من المنسوجات التقليدية المماثلة له في مناطق أخرى من البلاد على غرار البخنوق والطرف…) وفق قول هذه الباحثة .
والمُشطية كما عرفتها الباحثة في العلوم الثقافية أماني بن عبد الله “هي غطاء للرأس (جلوة) من النسيج تتزيّن به العروس وتستعمله غطاءً للرأس يوميا. وهي بيضاء اللون ومصنوعة من الصّوف، ثم أضيف إلى صنعها لاحقا اللون الأحمر”.
ومع تطوّر نمط حياة المجتمع التونسي، أخذت المشطية استخدامات متنوعة، حيث عمدت الحرفيات في جبنيانة، واللائي يناهز عددهن 600 حرفية، الى تطويعها لمجالات استخدام عديدة كتزيين جدران البيوت وتغليف مقاعد قاعات الجلوس وفراش أرضية القاعة وصنع حقائب النساء وغيرها.
وقد ساعد استخدام “الكتان” على تطوير صناعة “المشطية” وعلى إضفاء عديد الاختيارات في الألوان، إذ لم يعد هذا المنسوج حكرا على اللون الأبيض أو الأحمر.
وتطارح المشاركون في الندوة طرق تسويق المشطية والرهانات الاقتصادية لهذا النشاط الحرفي والصعوبات التي يواجهها في ظل عديد العوائق التي استعرضتها بحرقة وامتعاض عديد الحرفيات الحاضرات في فضاء زاوية سيدي أبي إسحاق الجبنياني.
في هذا الصدد، طالبت الحرفية خديجة السعفي (خمسينية) في تصريح ل(وات)، على هامش التظاهرة، بضرورة أن تفي الهياكل العمومية وهيئة المهرجان بوعودها في تفعيل مشروع القرية الحرفية والعمل على توفير نقطة بيع للمواد الأولية (الطعمة أساسا) والتي يضطر افتقادها الحرفيات للتنقل إلى مناطق أخرى مثل القيروان وقصر هلال ما ينعكس على كلفة الإنتاج وبالتالي مفاقمة أزمة الترويج التي تعاني منها الحرفيات.
من جهتها، اقترحت الحرفية عزيزة السعفي إدماج صناعة المشطية في قائمة اختصاصات التكوين المهني من أجل ضمان استمرار هذه الحرفة وحمايتها من الاندثار ومجابهة عزوف الفتيات عنها لتراجع مردودها الاقتصادي وافتقارها للضمانات والتغطية الاجتماعية.
الحرفية وصاحبة محل مختص في بيع الصناعات التقليدية، لطيفة لعتر، اشتكت بدورها على الرغم من أنها تملك دورة اقتصادية أكبر من الحرفيات اللائي تشتغلن ضمن نطاق أصغر في ورشات منزلية، من التراجع الكبير في المداخيل وتراجع ترويج المنتوج بشكل مخيف، بحسب تعبيرها.
وتفاعلا مع مطالب الحرفيات، أثار الأستاذ فتحي بالحاج (من الخبراء الداعمين للمهرجان والمؤسسين له منذ 6 سنوات) مسألة “تفعيل مشروع القرية الحرفية بجبنيانة” كآلية من آليات المحافظة على التراث وهو مشروع متعطل منذ عديد السنوات دون أن يقدم الإضافة المرجوة ويستجيب لانتظارات الحرفيات في ضمان استقرار الموارد المالية ومواجهة صعوبات الترويج.
مندوب السياحة، فتحي زريدة، دعا إلى مزيد الارتقاء بمنتوج المشطية بإدراجه ضمن مسالك السياحة البديلة مع إمكانيات ترويجه في الأسواق الخارجية واعتماده كمنتوج تقليدي يهدى إلى الضيوف والسياح بما يجعله آلية من آليات الترويج لهذا الصنف من السياحة.
ويهدف المهرجان المندرج ضمن فعاليات شهر التراث والمحدث سنة 2017 إلى التعريف بالمشطيّة وتمكين الزوار من اكتشاف المنتوجات الحرفية التي تزخر بها منطقة جبنيانة، كما يمثل فرصة لبحث سبل إيجاد حلول للابتكار والإبداع والتمويل والترويج، كما ذكر بذلك فتحي بلحاج.
وبالموازاة مع الندوة الفكرية، أقيم بفضاء سيدي إسحاق الجبنياني معرض “المشطية الجبنيانية” اشتمل على نماذج من أشكال المشطية المختلفة ومعرض ثان لإنتاجات الجهة التي توظف فيها أنسجة المشطية من ذلك الأثاث والملابس والتحف وغيرها ومعرض ثالث خاص بالمأكولات التقليدية كشكل من أشكال التراث اللامادي المميز لمعتمدية جبنيانة.
ومن أبرز هذه المأكولات التي أرفق عرضها بتعليق المختصة في الغذاء التقليدي، جميلة بالي، الشبتية والحسو والفرفيشة (كسكسي بالبسباس) والملثوث وكسكسي القمح والفلفل المقلي والعصيدة والعيش وكسرة السميد والشعير والحلويات التقليدية مثل المقروض وغريبة الدرع والحمص والبسيسة.
وكانت انتظمت في اليوم الأول من فعاليات المهرجان ورشات حية لصنع المشطية وتجسيم مختلف مراحل التحويل من مرحلة غزل الصوف إلى مرحلة النسج ثم التزويق.
كما انتظمت ورشة للمحافظة على المشطية وترميمها أمنها مخبر المحافظة والترميم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتاطير من الأساتذة نفيسة خماخم وأمينة عطية ومريم عزابو.
وقد اقترنت هذه الدورة الجديدة للمهرجان باسم الحرفية الراحلة حسنة السبعي أو “دادة حسنة” متقنة المشطية التي كان لها دور كبير في تعليم صنع المشطية إلى العديد من الحرفيات .وكانت “دادة حسنة” حسب الباحثة في العلوم الثقافية، أماني بن عبد الله، من عائلة حرفية نشيطة ومبدعة، تعلمت صنعة النسيج من والدها وكانت والدتها هي من تقوم بتحضير الخطوات الأولى للنسيج من غسل الصوف وقردشته وغزله.
وقد انطلقت في امتهان حرفة النسيج منذ أن كانت طفلة في سن 14 سنة، يتولى والدها عملية بيع منسوجاتها في مدينة صفاقس. وكانت من ضمن جيل من الحرفيات تعملن في صنعة المشطية في معمل النسيج في جبنيانة منذ بداياتة سنة 1986. وقد توفيت حسنة السبعي في 6 اوت 2021 وقد شاركت في الدورة الأولى والثانية من مهرجان المشطية ووقع تكريمها من قبل منظمي المهرجان.
وات / مكتب صفاقس / تحرير محمد سامي الكشو