مهرجان مسرح التجريب بمدنين: وفاء للمؤسسين وتواصل بين جيلين
تعيشُ مدينة مدنين خلال هذه الآونة من كلِّ سنة على وقع فعاليات المهرجان الوطني لمسرح التجريب الذي يعود تأسيسه إلى مُفتتح تسعينات القرن الماضي (1992)
ويعود الفضل في ذلك إلى المسرحي «أنور الشعافي» الذي يُعتبر من رواد «التجريب في المسرح» بتونس والعالم العربي والذي بدأ اهتمامه به يتشكّل منذ نهاية الثمانينات برسالة تخرّج من المعهد العالي للفنّ المسرحي بتونس ثمّ ترسّخ هذا الاهتمام أكثر بتشكيل فرقة مسرحيّة اسمها «مسرح التجريب» والتي كانت أولى ثمارها مسرحيّة «رقصة السرو» (1991) وهي مزج بين الميم والتشخيص وتدعّم هذا الهاجس الفنّي/ المعرفي بتأسيس مهرجان لمسرح التجريب تحتضن فعاليته كلّ سنة مدينة مدنين وكان للراحل «محمد عيادي العوني» رجل الثقافة والفكر بمدنين الفضل في تبنّي المهرجان من قبل المندوبية الجهويّة للثقافة لمدنين عندما كان على رأسها. وقد تتالت منذئذ دورات هذا المهرجان مع تخصيص ثيمة لكلّ دورة تكون محور العروض وما يقام على هامش الدورة من أنشطة وفعاليات كالتجريب على النصّ/ المكان/ الشخصيّة/ الجسد… مع الحفاظ على التقاليد التي أرساها المؤسّسون كحلقات النقاش التي تلي العروض بحضور المخرج وفريق الممثلين والتي تتواصل إلى الهزيع الأخير من الليل خاصة لما يكون العمل مثيرا للجدل، إضافة إلى المراهنة على الجانب الإجرائي التطبيقي بتخصيص تربصات يُشرف عليها مخرجون/ كتاب مسرحيون لفائدة الهواة والمبتدئين، وتوجيه الاهتمام بالبُعد المعرفي الأكاديمي بتخصيص حيز هام لندوات فكريّة يقدّمها جامعيون تونسيون.
انطلقت الدورة 25 لهذه السنة أمس السبت 07 ماي وتتواصل إلى يوم 13 من نفس الشهر بالمركب الثقافي بمدنين ويُشرف على تنظيم فعالياتها مركز الفنون الركحية والدرامية بالجهة تحت إدارة الأستاذ والمسرحي «جمال شندول» وتتوزّع الأنشطة على أربعة أقسام رئيسيّة هي: العروض الرسميّة بمعدّل عرض كلّ ليلة وتضُمّ عددا من الأعمال على غرار «كابوس أنشتاين» لأنور الشعافي و»منطق الطير» لنوفل عزارةو»في مديح الموت» لعلي اليحياوي… وعروض الشارع التي تنتظم في ساحة المركز في إطار الانفتاح على المحيط والخروج بالعرض من أسوار القاعة وما يسيجها من ضوابط شكلية نحو رحابة الفضاء، والندوات الفكرية والتي تتناول موضوعا إشكاليا ورائدا هو مسألة المصطلح الفني وأثره على المنجز الفنّي، وأخيرا سلسلة تربصات بتأطير من المسرحية وفاء الطبوبي.
تحمل هذه الدورة عنوان «دورة أنور الشعافي» وتأتي في صيغة تكريم لمبدع فذّ قدّم الكثير ولايزال يقدّم لجهته فعلاوة على كونه مؤسّس هذا المهرجان وواضع لبناته الأولى منذ كان فكرة جنينيّة يعود إليه الفضل في تأسيس مركز الفنون الركحية والدرامية بجهة مدنين سنة 2010 وقد كان وقتها رابع المراكز بتونس وقد أنتج هذا المركز عددا من الأعمال المسرحية التي ذاع صيتها ولاقت نجاحا منقطع النظير ككعب غزال والرايونو سيتي… ناهيك عن ما أنتجه وقدّمه من أعمال تشهد ببراعة صاحبه وتمكنه من آليات الإخراج المسرحي وتقنياتهِ.
وأنور الشعافي لمن لا يعرفه سينوغراف ومخرج مسرحي، بدأ مسيرته المهنيّة أستاذا للفن المسرحي وتقلّد عديد المناصب الإداريّة إذْ تولّى منصب مدير عام للمسرح الوطني التونسي ومديرا لمركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين ومندوبا جهويا للثقافة بزغوان. أنتج على امتداد ثلاثين سنة عشرات الأعمال المسرحيّة كليلة 27 (1990) الدّرس (1993) المسودّة (1998) بعد حين (2003) والآن (2008) ترى ما رأيت (2011) أو لا تكون (2016)…
بادرة طيّبة تُحسب لإدارة المهرجان أن تُكرّم المُبدع وهو مازال على قيد الحياة بعد أن سئمنا التكريمات الباردة الجوفاء لمن وُوروا الألحاد ونرجو أن تنسج على منوالها شتى المؤسسات والهياكل الثقافية…
المصدر: جريدة المغرب