تربية موسيقية : سيدي المربي لا تهمل حصة النشيد
يعتبر الانشاد عند الأطفال وسيلة هامة للتعبير عن الذات وتأكيد الشخصية من جراء التفاعل الذي يخلقه الغناء مع الخلان أو مع الآلات الموسيقية فالأغنية بالنسبة له نشاط طبيعي، حركي وحيوي فهو يكتسب عند الغناء الجماعي شعورا بكيانه وذاته وبمكانته لدى الجماعة ويتخلى في الوقت نفسه عن العمل الفردي فالمجموعات الغنائية وحدة أو لا تكون.
بالاضافة الى ذلك فإن الغناء مظهر هام من مظاهر الموسيقى بالنسبة لمراحل الدراسة المختلفة نظرا للتجارب الكثير التي تكتسب أثناء الإنشاء وهو موجه ذلك إلى إيقاظ شعور الطفل بعذوبة الألحان وانسجام إيقاعها وجمال تركيبها ودقة تعبيرها كذلك موجه إلى تزويد الطفل بتجارب موسيقية يتخذه أساسا فيما بعد لدراسة الموسيقى ولذلك يُعتبر تعليم النشيد للطفل إحدى الأركان الأساسية في تغذيته الروحية بل هو في طليعه مما يجب أن يتعلمه مما جعل قدماء المصريين يفرضون تعليم النشيد للأطفال لإيمانهم بأن الغناء عامل أساسي لتكوين النشء وتعويده على معرفة أشياء كثيرة بالإضافة الى عوامل التسلية والترفيه والتنشيط والتغذية الروحية. ولا ننسى كذلك أن الإنشاد وسيلة من الوسائل التلقائية للتعبير عما يحس به الطفل ووسيلة من الوسائل الضرورية للتربية الحسية لا يمكن للطفل أن يستغنى عنها نظرا لما في كلام النشيد من تأثير في النفس.
نعم تعتبر الكلمة الغذاء الروحي للطفل فهي ترسم له الطريق وتحدد له الأهداف من مرحلة الطفولة الى مرحلة الشباب والرجولة وتساعده على تدريب لسانه على النطق الصحيح وهذا يجرنا حتما الى الحديث عن لغة النشيد التي يجب أن تكون بسيطة تتلاءم مع مستوى إدراك الطفل العقلي حتى يستسيغ ما يحفظه ويتغنى به وبالتالي يستفيد مما يتعلمه ولكن كيف يمكن أن نصل الى هذه الأهداف ؟ إن يسر اللغة وقصر الوزن في الشعر ضروريان في بادئ الأمر ولابد من مراعاة ذلك عند التأليف على أن لا نتوقف على هذه المرحلة بل يجب أن يتدرج النشيد من حيث الكلمات والمعنى والوزن الشعري بحيث يتلاءم هذا التدرج مع تقدم سن الطفل ومع تقدم إدراكه العقلي حتى نصل به الى أطوار الرجولة ولا ينبغي أن نعوّد الطفل على البحور القليلة التفاعيل بل يجب أن نقحم له في بعض الأحيان أناشيد يسمو فيها الافتنان اللغوي مكتوبة في بحور تحتوي على تفاعيل متعددة على أن نراعي في ذلك قاعدة التدرج التي سبق أن تحدثنا عنها وبهذه الطريقة يستطيع الملحن أن ينوع موسيقى ………بكيفية تضمن للنص موسيقى جيدة ذلك ان الملحن كثيرا ما يضطر الى مجاراة الشاعر ومسايرة البحر الذي نظم فيه النشيد ولا ننسى كذلك ان الكلمة الطيبة تساهم في غرس روح العزة والكرامة وحب الوطن والمحافظة على البيئة في نفوس الأطفال وتعكس روح العمل والتفاني والجدّ وتصور له المجتمع المثالي الذي ننشده.
ومن العناصر الأساسية التي تساهم في انجاح النشيد هو عنصر الإيقاع فهو أقرب شيء للطفل يقول أفلاطون في هذا المعنى “إننا نعطي أهمية قصوى للتربية الموسيقية لأن الإيقاع والتناسق يغوصان الى أبعد الأعماق من أغوار الروح “ويقول في باب آخر إن فقدان الجمال والإيقاع والتناسق مرتبط بالفساد وسوق الخلق” ولا ننسى أن الطفل كثير التعلق بالحركة والإيقاع ولعل حركاته التلقائية التي يساير بها الألحان أثناء الإنشاد لخير دليل على ذلك.
إننا مدعوون الى الاهتمام بأغنية الطفل لأنها تلعب دورًا أساسيا في تكوينه فتقربه من الموسيقى وتساعده على صقل مواهبه وتساهم في المحافظة على نغماتنا الشرقية وتقف سدا منيعا أمام زحف الموسيقى الغربية وان في التاريخ لأكثر من دليل على أن الإنشاد والتغني بالمعاني السامية من مظاهر ازدهار حضارات العالم ومن شأنه أن يخلق مواهب خلاقة يمكن أن يكون لها دور هام في المستقبل.
وللحديث بقية
بقلم : التوفيق التريكي
أستاذ تربية موسيقية متقاعد