صفاقس عاصمة للثقافة العربية : ما الذي تبقى من هذا الحدث الكبير
تهدف تظاهرات عواصم الثقافة إلى تنشيط المبادرات الخلاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري وتطوير البنية التحتية الثقافية
وكانت ولاية صفاقس قد اختيرت سنة 2016 كعاصمة للثقافة العربية ونالت شرف تنظيم هذه التظاهرة الإقليمية الكبرى وتم بالمناسبة تنظيم عدة فعاليات ثقافية هامة والتأكيد حينها على أنها ستكون دائمة وستمثل أحسن وسيلة لتطوير المشهد الثقافي في الجهة
كما تم الاعلان عن عدة مشاريع تهم البنية التحتية الثقافية في ولاية المليون ساكن التي تشكو من نقص فادح في الفضاءات والمنشآت ذات الاختصاص
مشاريع البنية التحتية
تم قبل انطلاق تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية الاعلان عن اقامة عدة مشاريع لتطوير البنية التحتية الثقافية وعاش المثقفون حلم تحول مدينتهم الى قطب ثقافي وطني هام ومن بين المشاريع التي تم ادراجها مشروع تحويل الكنيسة الكاثوليكية بوسط المدينة من فضاء للرياضة إلى فضاء ثقافي متكامل ,يجمع بين مكتبة رقمية مجهزة بأحدث التقنيات و مسرح جيب يتسع لمائتي متفرج و قاعة عروض تتوفر على أحدث تقنيات العرض و الإضاءة بالإضافة إلى العمل على استغلال الواجهات البلورية للكنيسة من ناحية الإضاءة و تحويلها إلى قطعة فنية ليلا
أما المشروع الثاني الذي تم تقديمه فيتعلق بمصالحة تقام بين المواطن في مدينة صفاقس و البحر من خلال فضاء شط القراقنة الذي يعتبر وجهة غير مستغلة في المدينة بحكم غياب تصور واضح لاستغلاله من جميع النواحي
و يرمي المشروع المدرج ضمن أولويات تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية كما تم التاكيد عليه حينها الى وضع إستراتيجية واضحة تتمثل في التنشيط الدائم و المستمر للفضاء طوال السنة و تركيز منشآت ثقافية به بالإضافة إلى تشجيع تركيز نشاط تجاري ترفيهي يساهم في إعادة الحياة للمكان .
المشروع الثالث تعلق بسور المدينة العتيقة الذي تقرر أن يتم تعهده بالصيانة و الترميم ثم و في مرحلة موالية تركيز إنارة فنية باستعمال تقنيات متطورة حتى يتحول ليلا إلى لوحة فنية معمارية تختزل تاريخ المدينة التليد
اضافة الى عدة مشاريع أخرى على غرار أحياء الملاحـات المهجـورة وابـراز القيمـة الغذائيـة للمطبـخ الصفاقسـي الغنـي بالمـوارد البحريّـة إلى جانب تهيئة عدد من المباني بالمدينة العتيقة كالمدرسة الحســينية وتحويلها إلى دار للفنــون والحــرف موجهــة إلى الأطفــال.
وتأسيس متحف بحري عائم يكون فضـاء جامـعا لمميّـزات التـراث البحـري بشـكل علمـي مدقّق في مدينة تتميز بعلاقة تاريخيـة وجغرافيـة وطيـدة بالبحـر،وبثـراء مخزونهـا البحـري وتنوّعـه.
جل هذه المشاريع بقيت حبرا على ورق أو معطلة على غرار مشروع تحويل الكنيسة الكاثوليكية الى مكتبة رقمية وفضاء ثقافي متكامل رغم تخصيص استثمارات مالية تقدر ب19 مليون دينار لانجازه ورغم طلب ولاية صفاقس بشكل رسمي من وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية، باعتبارها المسؤولة على تنفيذ هذا المشروع لاتخاذ الإجراءات اللازمة مع مختلف المتدخلين ولا سيما المقاول ومكاتب الدراسات ومكتبة المراقبة ووزارة الثقافة.
يشار الى ان مشروع المكتبة الرقيمة عرف تعطيلا في الإنجاز لعدة أسباب منها إشكاليات مع مكتب الدراسات الأول وخلاص مستحقاته والتجاذبات بين عديد مكونات المجتمع المدني حول صيغة المشروع وجدواه حيث أكدت ممثلو العديد من الجمعيات الثقافية على أن صفاقس تفتقد الى قضاء فسيح يحتضن التظاهرات الكبرى على غرار معارض الكتب و الفنون التشكيلية وأن الكنيسة تمثل الفضاء الأمثل لذلك
من المشاريع الكبرى كذلك التي بقيت حبرا على ورق مشروع تحويل شط القراقنة الى فضاء ثقافي وترفيهي بما جعل بلدية صفاقس وتحديدا لجنة التهيئة والتراخيص العمرانية تعقد خلال شهر جويلية المنقضي جلسة لمناقشة مشروع تهيئة الفضاء المذكور المندرج في إطار برنامجها لإحياء مركز مدينة صفاقس وجعلها نقطة جلب لإعادة السكان الذين هجروها باتجاه مناطق أخرى وفي إطار رؤية متكاملة للواجهة البحرية للمدينة التي تمتد من تبرورة ثم الميناء التجاري وصولا إلى شط القراقنة الذي يمثل حوضا مائيا فريدا من نوعه في وسط المدينة
ولم يشمل الشلل المشاريع الكبرى فحسب حيث لم يتم انجاز مشروع الانارة الفنية للسور رغم قلة تكلفته المالية ولم يتم تحويل المدرسة الحسينية بالمدينة العتيقة الى دار للفنون والحرف بما جعل الناشط المدني المعروف فريد مقتي يتدخل ويطلق مبادرة لترميمها
ما تم بيانه بخصوص مشاريع البنية التحتية لتظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية ينطبق في الواقع على التظاهرات الفرعية التي أسست حينها لتكون دورية ودائمة
التظاهرات الثقافية الموازية
انتظمت بصفاقس وضمن فعاليات تظاهرتها كعاصمة للثقافة العربية عدة تظاهرات على غرار الدورة الأولى لأيام صفاقس السينمائية التي حملت اسم المخرجة التونسية الراحلة كلثوم برناز وذلك بحضور الفنان عادل إمام كضيف شرف
كما شهدت التظاهرة الإعلان عن تأسيس مهرجانات ,قيل انها ستثري المشهد الثقافي العربي مثل الملتقى العربي لفن الشارع والمهرجان الأول للكاريكاتور والمهرجان العربي للمسرح بصفاقس ومهرجان المالوف المغاربي وغيرها
وتم كذلك الاعلان عن تخصيص دار كمون الكائنة بنهج الشيخ التيجاني زقاق الذهب كمقر لدار الصورة ضمن مشروع متكامل يشتمل على مجموعة من المكونات الرامية في جوهرها إلى العناية بالصورة في فرعيها الفوتوغرافي والسينمائي. ,يتوجه بالأساس الى المهتمين بالسينما والصورة، من المحترفين أو الهواة
ومشروع دار الجمعيات بتحويل الطابق العلوي لدار خماخم التي يملكها ورثة المرحوم مصطفى خماخم إلى فضاء ثقافي يحتضن الجمعيات التي لا تملك مقرا لتتمكن من النشاط في ظروف جيدة وتساهم في تنشيط المدينة بتنظيم أنشطة ثقافية متنوعة كالعروض السينمائية والموسيقية واقامة الورشات المتخصصة والموجهة الى الاطفال والشباب الجامعي والتلمذي
جل هذه المشاريع التي انطلقت سنة 2016 لم تتواصل بعد السنة الأولى من عمرها بما خلف مرارة لدى المثقفين في صفاقس التي تضم نخبة من الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين والموسيقيين والممثلين الذين ينتظرون فرصتهم للبروز والتي أنجبت أعلام الثقافة العربية على غرار الموسيقار الشاعر والممثل محمد الجموسي ورائد الأغنية العربية المعاصرة صابر الرباعي والمبدع علي الحشيشة والنوري بوزيد والمنصف ذويب والأسعد الجموسي في المجالين السينمائي والمسرحي ومحمود مقديش وعلي النوري وعلي الزواري ومصطفى الفارسي وغيرهم كثير في عالم الفكر والعلوم والتي يحق لها أن تكون مركزا ثقافيا عربيا ومتوسطيا