الأمم المتحدة … ومجلس الأمن (بين تلاعب الدول و ضعف النصوص)
الكاتبة الحقوقية رحمه زهير العزه
أُعطِيَّت الأمم المتحدة عند إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية ما اعتبره مؤسسوها في ذلك الوقت أهم أهدافها و الذي هو صون السلم والأمن الدوليين في العالم وذلك من خلال عمليات منع النزاعات وصنع وحفظ وبناء السلام فيه , ويُشتَرط على من ينضم من الدول لأي من هذه المنظمات سواء التابعه للأمم المتحدة أو حتى في الإتحاد الأوروبي أن تكون راعية للأمن و السلم الدوليين و أن لا تكون من مهدديها , وهذا شرط طبيعي لمنظمات يفترض أنها ترعى السلام في العالم ككل , و وجود مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الذي يقرر اذا كان هنالك تهديد للسلم أو حدوث عمل من أعمال العدوان الذي يدعوه الى دعوة أطراف النزاع إلى الحل السلمي و نزع السلاح , وهذا كله وفق نصوص المواد (33 , 34) من الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وهذا متفق ومصادق عليه من قبل الدول الأعضاء في الجمعية العامة و مجلس الأمن من أعضاء ثابتين و متغيرين .
و اذا تحرينا أكثر في نصوص ميثاق الأمم المتحدة ففي المادة ( 35- 38 ) فتقول مجملا : أن لمجلس الأمن الحق في تحديد أي فعل أو سلوك أو نزاع حاصل بين دول ما اذا كان هذا يهدد الأمن و السلم الدوليين أم لا , ويحق للدول الأعضاء في مجلس الأمن و الجمعية العامة بطلب التدخل من قبل الأولى لحل النزاع الحاصل أو حتى دولة غير عضوة أصلا في الجمعية العامة فيحق لها اللجوء الى مجلس الأمن لفض نزاع ما اذا شعرت الأخيرة انه يهدد الأمن و السلم الدولي .
وفي نصوص الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة كاملا بمضمونه : أنه يحق لمجلس الأمن أن يستخدم القوة الجبرية و العسكرية بشتى أنواعها و قطع العلاقات الدبلوماسية وغيرها من الأساليب في حال عدم إلتزام الأطراف المتنازعة بالحل السلمي الإتفاقي المؤقت , و كل الدول الأعضاء تقدم الدعم العسكري و اللوجستي و المادي لمجلس الأمن و وفق ما تطلبه من أجل حل النزاع الحاصل .
ومن هنا نبدأ رحلة تطبيق النصوص لهذا الميثاق في الواقع الفعلي التطبيقي بين الدول المتنازعة , منذ الحرب السورية التي لم تنتهي وما زال الشعب يدفع ثمنها من عمره و إقتصاده و طموحات شبابه الى الحرب السعودية اليمنية و بعيداً عن فكرة الميليشيا الحوثية و العدوان الذي يدفع ثمنه الشعب اليمني من حصارات عسكرية و إقتصادية و قتل و هدر للأرواح , فلم نرى إلا تدخلات ضئيله جدا لم تتعدى سوى الهدنة المؤقته ليرجع بعدها سلسلة من القتل الممارس على الشعب اليمني , ولم نرى أيضا أي تدخل عسكري لمجلس الأمن أو أي نوع من إجبار السعودية على وقف الحرب بشكل سلمي لا دموي رغم أن هنالك ما يسعفها من نصوص في الميثاق الأممي ليدعمها في وقف هذا النزاع وهذا أيضا ينطبق في العدوان على سوريا . و في النزاع الأرميني الأذربيجاني حول قرة باغ لمدة 40 يوم من حرب دموية غير مسبوقة في المنطقة منذ 30 عاما و مع نهايتها بإتفاق دولي دبلوماسي بين الطرفين , ومن يعلم من التالي في النزاعات الدولية .
فنسترشد من هذا السياق من الناحية القانونية لمسؤولية مجلس الأمن الذي هو المفروض أساس الأمن و السلم الدولي و نسأل سبب جعل المادة (34) من الميثاق نفسه ” لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي “, فإذاً ما هي الآلية أو المعيار الذي يحدد ما اذا كان هذا النزاع مهدد للامن و السلم أم لا , و خصوصاً في عدم وجود هكذا معيار يجعل أبواب اللعب و اللهو لبعض الدول و العصابات مفتوحة في الضغط على أطراف النزاع أو لتحقيق صفقات خاصة من وراء هذه الحروب , وما سبب تباطؤ بعض الدول سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة في تحديد طبيعة هذا النزاع الواقع مع العلم أن هذا التباطؤ يَدخل في مصالح الدول المستفيدة من هذا النزاع و بعض الدول الكبرى التي هي أساس لشعلة الحروب الدولية في العالم , وهل وجود مثل هكذا نصوص لإتفاقيات ترعى السلام في العالم كان متفق على أن تكون معيوبه تشريعاً أو ان جهل الدول في التشريع النصي لبنود الإتفاقيات سائداً في ذلك الوقت , وإن كان ذلك جهلا لماذا لم تحاول الأمم المتحدة تعديل هذه نصوص الآن أم أنها ستتذرع بصعوبه إقناع الدول حول تعديل النص ومن ثم تتجاهل هذه الثغرات التشريعية ؟؟ , وهل سبب الحروب في العالم هو لعدم وجود تشريع نافذ و ناظم للحروب و ناهي لها أم أن الأمم المتحدة تعيش مرحلة الشيخوخة و الإنهيار ؟؟!! .
وهذا ما يجعل عمل منظمة الأمم المتحدة مسيّراً لا مخيراً , وجعلها تحت الضغوط المادية الممارسة من بعض الدول الكبرى مما يفقدها ثقة المجتمع الدولي بها و بعدالتها و بقدرتها على قيادة شعوب بأكملها تحت ظل منظمة الأمم المتحدة , و أن ميثاقها لا يكون إلا حبراً على ورق يُصَبُ و يفعل لمصلحة من يملك القوة و المال و يسيطر على أروقة الجمعية من تصويت و تفعيل و إقرار , وفكرة إبقاء الوضع الدولي على منظومة شريعة الغاب لا الميثاق الأممي سيعهد لنا حرباً عالمية في أي لحظة تشتعل ولن تنطفئ الى بدمارٍ كونيٍّ كامل للبشرية .