التنمر الإلكتروني بين التعبير و قمع الحريات
الكاتبة الحقوقية رحمه زهير العزه / الاردن
منذ بدء التطورات التكنولوجية في العالم وخلق مجتمعات رقمية غير ملموسة توالت أحداث التواصل البشري بالتزايد على مواقع التواصل الإجتماعي بمختلفها مما جعل العالم ” قرية صغيره ” , ومع هذه المميزات من حيث السهولة و قلة الجهد و الوقت و السرعه وضعت الأفراد من جميع الشرائح المجتمعية تحت ضوء القانون في أقوالهم و أفعالهم و آرائهم , مما كثرت الشكاوي و الدعاوي و الملاحقات , وهذا ما استدعى الحكومات لأن تشرع القوانين لمكافحة هذا الجانب السلبي وظهرت أجهزه جرائم تكنولوجيا المعلومات و قانون منفرد بنصوصه لهذه الغاية .
ففي المادة (15) من الدستور الأردني التي نصت : تكفل الدولة حرية الرأي , ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول و الكتابة و التصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون . وهذا النص متواجد بنفس المعنى في كافة الدساتير في العالم بأكمله , وكما نصت المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية الأردني : يعاقب كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر و بغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد عن (2000) ألفي دينار .
ومثل هذا القانون وبنوده متواجدة في شتى الدول العربية و الغربية ككل و تلاحق بموجبها مرتكبين هذه الجرائم في بلادهم . ومن هنا نتطرق لمفهوم كلمة التنمر : وهو كل فعل أو سلوك أو تعبير أُرتُكِبَ قصداُ بأي وسيلة و ينطوي على الإعتداء على كرامة الإنسان و إعتباره و حريته و مكانته . وبالتالي التنمر جريمه معاقب عليها بغض النظر عن طبيعة الإسناد الجرمي لفعل التنمر بموجب القوانين المحلية .
ولكن السؤال ما هو المعيار القانوني لفعل التنمر و طبيعة التنمر التي نستطيع من خلالها التفرقة بين هذا السلوك وذاك إن كان تنمراً أو تعبيراً عن الرأي ؟؟ ومتى نقول أن تصرف الجهات المعنية تجاه فعلٍ ما ارتكب على أحد منصات التواصل هو قمعاً للحريات وليست ملاحقة قضائية ؟ وما هو سبب الغلط عند الكثير من الجهات المعنية و بعض الآراء الإعلامية و تخوف المواطنين للتعبير في أي وسيلة إلكترونية من حيث مفهوم الجريمة سواء كان قدح أو ذم أوتحقيرأو سب و قذف أو حتى تنمر بموجب النصوص المختلفة عند الدول , و السؤال الأهم ما هو سبب عدم وجود تفاسير محدد التي من خلالها أن نفرق بين التعبير في مسألة محددة وبين التعدي فيها على الحدود لتصبح جريمة يلاحق عليها الفرد ؟ هل هذا الإنفتاح التفسيري اللامحدود مقصود لتكميم الأفواه و إرهاب المواطنين للحيلولة بينهم وبين إدلاء بالرأي و تحقيق مكاسب و مصالح معينة لجهات عامة أو خاصة متنفذه في الدولة أم انه إغفال السلطات التشريعية عن تحديد القالب التشريعي له .
وفي الختام نحن نحترم الرأي و الرأي المعاكس و الإختلاف بين العلماء رحمه و لا يفسد في الودِّ قضية , و الدول التي تنص دساتيرها على حماية حق التعبير بشتى الوسائل لا يجوز القيام بأي إجراء قانوني أو إداري أو قضائي تحت إسم الدستور أو تشريع قانون يبقى غامضاً في التفسير و يستغل بطرق لا دستورية ولا حتى أخلاقية إنما فقط لجني المكاسب وبسط السيطرة على الشعوب وقمع حرياتهم و سلبهم حقوقهم تحت إسم إحقاق العدالة .