ميزان الحكمة
إن كانت لك حاجة ببستاني مثلا فابحث عمن يحذق عمله بشكل تام ولا يهمك لونه ولا شكله، لا حديثه ولا علاقاته فتلك أمور لا تنعكس على مستوى إتقانه ولا على ترتيبات انجازه. حديثنا هذا ينطبق على الصناع والحرفيين ويسري بالخصوص على المبدعين في الفن والفكر باعتبارهم مناط اهتمام الإعلاميين بحيث تصبح شؤونهم تجري على كل لسان، ومن لا يحذق من هؤلاء فن الحديث ومن لم يتسلح بمنطق الفكر ومن لا يصون لسانه من العثرات ومن لا يحذر خلفيات الحوار في أجهزة الإعلام..- يكن صمته أولى حتى لا تضيع في ثنايا حديثه المتهافت مجمل “شطارته” في اختصاصه. واني هنا أسوق إشارة خفية لتلك الاستضافات التلفزية التي يصر فيها أصحابها على أن تبتدئ بقبلات وتختم بأخرى لا نراها ضرورية في كل الحالات..
لا علينا، انه يتملكني كغيري إعجاب كبير بعدد من الفنانين من أمثال فلان وفلانة غير أني على يقين من أن أحاديث هؤلاء في أجهزة الإعلام في الداخل والخارج ساهمت في تأكيد جدارة كل منهم بلقب النجم.
اليوم أردت أكرس خاطرتي للحديث عن الممثلة المصرية “صبرين” التي وجدتني في ظروف سابقة أتابع برنامجا لمنشط مصري استضاف فيه هذه الفنانة التي رافقتنا طويلا في مسلسل أم كلثوم.
جلست صبرين أمام المنشط في حشمة ووقار يحاورها وتحاوره يسألها فتجيبه يستفز شعورها فلا تثور يثير إحساسها فلا تتشنج، لا تغضب، لا تتبرم، لا تتهرب من الجواب. تابعت الحوار فاستمتعت ومضى الوقت سريعا لدرجة أني لعنت حركة عقارب الساعة. انتهت الحلقة وعدت إلى نفسي اسألها عن أي سر وراء هذه المتعة التي أخذت العقل والوجدان. طرحت السؤال ثم فكرت فسبرت أغوار ما شاهدت وما سمعت وما وعيت ووجدت أن السر كامن في أن صبرين كانت على اتم الاستعداد للإبداع والإمتاع والإبهار.
كان مظهرها الطافح بالوداعة وتقاسيم محياها الغارقة في البراءة وكساؤها المشع حياء وبهاء ونظراتها المتلألئة طهرا ونقاوة.. كان كل ذلك منها قبل أن يخالطه حديث لسان يفيض عفة واستقامة- ثم كانت كلماتها، نبراتها، اشاراتها قصيدا نابعا من أعماق الوجدان مفعما بالصدق والإخلاص والجلال.
حاورت صبرين محاورها فشنفت الآذان بجمل ساحرة شافية كافية مكتنزة ترجمت عن عمق مستواها الثقافي بما فيه من فصاحة التعبير ووضوح الرؤى والقدرة على تماسك الأفكار وتسلسلها والبراعة في توقي زلات اللسان. كانت صبرين مثال المرأة المعتزة بأنوثتها المتحكمة في نرجسيتها والمقتصدة في الحديث عن ذاتها.
صبرين تحدثك فتبهرك وتحادثك فتقنعك، كانت في الحديث والحوار بارعة بمثل براعتها في تمثيل الأدوار.. صبرين كانت في ذلك الحوار أكثر من امرأة أكثر من مبدعة كانت عبقرية فهل صنعت ذاتها بذاتها.؟ هل أعطاها دورها في مسلسل أم كلثوم الإضافة ؟ وهل اكتسبت من تجربة ارتداء حجاب التقوى بعدا جعلها اقدر على أن تصبح أنموذج المرأة المسلمة المؤمنة بعمق والممارسة للفن بوعي جعلها متربعة في مركز محيطها ولم يجعلها على الهامش./