مجرد رأي : المثقف زمن الكورونـــــــا
اقترب عمري من الستين ولم أعش زمنا يشبه زمن كورونا. كنت أستمع الى حكايات والدتي العجوز عن ضحايا الأمراض والأوبئة في حياتها. لم أكن أتخيل الحال… كانت قصصا غريبة ومؤلمة عما حصدته الكوليرا والملاريا والجدري من أرواح.
لكن زمن كورونا لم نشهد له مثيلا وخاصة أن هذه الأيام عرفت بحيويتها مما دفعني الى تتبع الأخبار وتبادل بعض الرسائل (فيديوهات وتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي) مع الأصدقاء عن فيروس كورونا وما يمكن أن ينجر عنه من العدوى. انها معلومات مختلفة. بعضها مؤكدة وأخرى زائفة. وفي كل الحالات ترسخت صورة الحال في ذهني بما يحدث فكانت هناك العديد من المآسي. هناك مآسي المرضى العاجزين عن الوصول الى المستشفيات، مآسي الفقراء الذي يحملون أعباء الغربة والحرمان والموت، مآسي عمال وموظفين مسرّحين من العمل، مآسي مؤسسات صغرى تتعرّض لصدمات تؤدي الى وقف نشاطها.
وأنا أفكر في العائلة والأقرباء أعرف أنهم يعيشون أياما صعبة أكاتب الواحد وأهاتف الآخر حتى أطمئن وفي كل وقت من اليوم أعود وأحيّي هيئة الأطباء والممرضين…أفكر في هؤلاء وفي أولئك بروح من التضامن والمسؤوليّة.
فما أحوجنا اليوم الى ثقافة بمثقفيها لكن أية ثقافة ؟ وأيّ مثقف ؟
ثقافة كتب ومقالات وتعليقات تتحدث عن وصفات عشبية واستخدام وسائل بدائية لمقاومة المرض، أم ثقافة كتب ودراسات أنجزها علماء وأطباء مختصون ؟ فأي الكتابين أصدق وأصلح يمكن أن يختاره القارئ ؟
فالمثقف نجده يخير الصمت في اللحظة الحاسمة التي تمر بها البلاد وقد يكون في الصفوف الأولى يؤدّي دورا تحفيزيا وتوعويا. أين التحفيز في ظل غياب خطابات وكلمات وشعارات تمتلك القوة الكافية لشحن الطاقات جسديا وروحيا ؟ وأين الوعي بخطورة هذا الوباء والمشاركة الفعّالة في مواجهته من خلال الانضباط والالتزام بالبروتوكول الصحي واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي للرشد والتعقل ومواجهة الأضرار ؟
أعتقد في هذه الحالة أن الحياة تكون أفضل من أن نهبها للمرض. وعندما نتزود بحب الحياة ونجعل من هذه الجائحة فرصة لنعرف كيف نعيش بشكل أفضل ونأخذ الأمور على محمل الجد والمسؤولية فهذا يعني أننا أصبحنا على درجة عالية من النضج ولا بأس حينها أن نضحك في وجه المجهول.
بقلم : الماطري الحاج محمد
متصرف مستشار للشؤون الثقافية