ليبيا المفعول به .. في كل الجمل
قبل 69 عاماً من اليوم، أي في 24 ديسمبر/ كانون الأول 1951 نالت الرقعة الجغرافية المسماة ليبيا إستقلالها، بشكل إستثنائي عن كل دول العالم، حيث هي الدولة الوحيدة في هذه الكرة الأرضية التي حصلت على إستقلالها بقرار من هيئة الأمم المتحدة، خلافاً عن أي إستقلال حصل في التاريخ.
فليبيا والتي في 100 سنة تقريباً جربت كل شيء، بدايةً من الإحتلال على يد الدولة العثمانية فالآستعمار على يد إيطاليا ومن ثم الإنتداب فالوصاية والإستقلال والملكية والإنقلابات العسكرية والجمهورية والجماهيرية (سلطة الشعب الوهمية) والدكتاتورية والثورة والفوضى وعهد المليشيات والسراق والمتطرفين، والحروب الأهلية، تحصلت على إستقلالاً من المشوق أن تعرف كيف ومتى جاء.
إستقلال ليبيا
رغم هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية إلا أنه من الناحية القانونية كانت تتمتع بالسيادة على جميع مستعمراتها السابقة ومنها ليبيا ولم توقع معاهدة الصلح بين إيطاليا ودول الحلفاء إلا في سبتمبر/ أيلول 1947 وتركت قضية التصرف في المستعمرات الإيطالية للدول الأربع الكبرى التي وقعت معاهدة الصلح مع إيطاليا. فوقعت برقة وطرابلس في الفترة من 1943 حتى 1951 تحت الإدارة البريطانية، بينما خضعت فزان للسيطرة الفرنسية ذلك وفقا لمعاهدة السلام 1947 حيث تخلّت إيطاليا عن جميع مطالباتها بليبيا.
وقد كان هناك تنافس شديد بين الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد السوفيتي وفرنسا جعل من المستحيل الوصول إلى إتفاق يحسم مسألة الوصاية على ليبيا ومن أجل ذلك أحال الأربع الكبار مسألة ليبيا في سبتمبر/ أيلول 1948 على الأمم المتحدة وبدأت مناقشتها في أبريل/ نيسان 1949.
إتفقت بريطانيا وإيطاليا في 10 مارس/آذار 1949 على مشروع بيڤن سيفورزا الخاص بليبيا الذي يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية، وقد وافقت عليه اللجنة المختصة في الأمم المتحدة في يوم 13 مايو/آيار 1949 م وقُدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للإقتراع عليه، ولكن المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة، نتيجة للمفاوضات المضنية لحشد الدعم لإستقلال ليبيا التي قام بها وفد من أحرار ومناضلي ليبيا للمطالبة بوحدة وإستقلال ليبيا، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في 21/11/1949 الذي يقضي بمنح ليبيا إستقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير/ كانون الثاني 1952، وكُوِنت لجنة لتعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة ولتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق وحدة ليبيا ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة.
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول 1950 تكونت جمعية تأسيسية من ستين عضواً يمثل كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة (عشرون عضواً) وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها اجتمعت الجمعية التأسيسية برئاسة مفتي طرابلس لتقرر شكل الدولة، وعلى الرغم من اعتراض ممثلي طرابلس على النظام الإتحادي فقد تم الإتفاق، وكلفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور، فقامت تلك اللجنة بدراسة النظم الإتحادية المختلفة في العالم وقدمت تقريرها إلى الجمعية التأسيسية في سبتمبر/ أيلول 1951 وكانت قد تكونت حكومات إقليمية مؤقتة بليبيا، وفي 29 مارس/ آذار 1951 أعلنت الجمعية التأسيسية عن تشكيل حكومة اتحادية لليبيا مؤقتة في طرابلس برئاسة السيد محمود المنتصر، وفي يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول 1951، نقلت إلى الحكومة الإتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية، فالسلطات المالية نقلت إلى حكومة ليبيا الاتحادية في 15 أكتوبر/ تشرين الأول1951 ، وأعقب ذلك في 24 ديسمبر/ كانون الأول 1951 م إعلان الدستور واختيار محمد إدريس السنوسي ملكاً لـ”المملكة الليبية المتحدة” بنظام فيدرالي يضم ثلاثة ولايات (طرابلس، برقة، فزان).
ولكن على الرغم من جهود بعض الدول الاستعمارية وكل ما قامت به بعد 1951 م من أجل الإبقاء على ليبيا مقسمة وضعيفة تحت ذلك النظام الإتحادي، فإن شعب ليبيا عبر ممثليه المنتخبين قاموا في 26 أبريل/ نيسان 1963 بتعديل دستورهم وأسسوا دولة ليبيا الموحدة وأزالوا جميع العقبات التي كانت تحول دون وحدة ليبيا تحت اسم المملكة الليبية وعاصمتها طرابلس.
المملكة الليبية تأسست بعد إستقلال ليبيا في 24 ديسمبر/ كانون الأول 1951 وعاصمتها مدينتي طرابلس وبنغازي حتى عام 1963، ثم البيضاء من 1963 حتى 1969. سميت في البداية باسم المملكة الليبية المتحدة حتى 26 أبريل/ نيسان 1963 حين عُّدل إلى “المملكة الليبية” وذلك بعد إلغاء النظام الاتحادي الذي كان يجمع بين الولايات الليبية الثلاث طرابلس، برقة وفزان. واستمرت تلك المملكة حتى الانقلاب العسكري الذي قاده معمر القذافي في 1 سبتمبر/ أيلول 1969 والذي أنهى حكم الملك إدريس الأول وإلغاء الملكية وإنشاء الجمهورية العربية الليبية.
ما علينا أن نقولة بكل تجرد، أن ليبيا دولةً وشعباً ليست إستثناء عن باقي دول وشعوب العالم ، إلا أن ظروف هذا المجتمع في هذه الرقعة الجعرافية، من الناحية التاريخية والثقافية والسياسية، إجتمعت كلها ضد ليبيا والليبيين، وليس هذا من باب تبرئة المجتمع ومسؤليته عن ما كان عليه وما يزال من تخلف وجهل، أدى إلى أن يكونوا وتكون بلدهم مفعولاً بها.
وفق ما نراه اليوم في المشهد السياسي الليبي، والمستوى الثقافي للمجتمع، مازال أمام ليبيا مشوار طريق طويل غير ممهد، ليشعر الليبيين بفرحة حقيقية الإستقلال، وليحقق الإستقلال معناه الحقيقي والفعلي، ولتتحول ليبيا دولةً ومجتمعاً، من مفعول به إلى فاعل.