كرهتكم… وكرهت نشرات الأخبار !
لا أدري أين ستجرفنا هذه الخصومات السياسية والايديولوجية بل هذا العداء الصارخ بين مختلف السياسيين وفي أي مرفئ سيحط بنا الرّحال.
السياسيون الذين قرؤوا التاريخ واستعذبوا ما قام به نيرون في روما، يتنافسون اليوم على احراق تونس.
كلّهم يحملون أعواد الكبريت في جيوبهم ويحملون الولاّعات أما نحن ضد الشعب البائس المسالم فلا نحمل شيئًا من ذلك بل نحمل في قلوبنا باقات الورود بكل ألوان الدنيا ونحمل ديوان “أغاني الحياة” لأبي القاسم الشابي حتى نستطيع أن نرسم على وجوهنا ابتسامات الحب والتسامح ونطمح منهم أن يدفنوا حقدهم حتى نستطيع أن نعمل ونبني وأن نجدّ في الحياة وندافع عن وجودنا.
نحن الآن قلوبُنا شتّى، وطريقُنا ليست نفس الطريق
السياسيون في تونس لا تتعدى نظراتهم أرنُبة أنوفهم.
لقد انتهت عقيدة حبّ الوطن وانتهت عقيدة حبّ الآخرين.
ولا يهمّهم من شيء سوى حرصهم على الاحتفاظ بِكَراسيهم رُغما عن هذا الشعب وحرّيته وارادته وكرامته.
ماذا تريدون منّا، ان نموت جوعًا وعَطشا ! ! أن تموت ألَمًا ومرضا وقهرا ! !
ان نفتقد الى الحليب والخبز، ان نفتقد الى الدواء والماء ! !
ان تنهار المنظومة الصحيّة من مستشفيات وصيدليات عمومية، فنتحوّل الى الدّجل ليَسْتَثري الدجّالون ونتحوّل الى الخرافات ليسْتَثري العرّافون ونتحوّل من العلم اليقيني التجريبي الى الجهل المقدّس.
ماذا نقول لأطفالنا عندما يأتي يَومٌ، وهو قريب، فلا نجد ما نطعمهم وما نرويَ به عطشهم…ماهي الأعذار التي نقدمها لهم..هل نقول لهم بأنّ أصحاب الشأن انشغلوا عنّا بخلافاتهم العَصيّة، بعَلَفِهم المَقيت وبايديولوجياتهم اللّعينة التي لا تبقى ولا تذر، وبخُطبهم التي لا يُمكن الاّ أن تكون شرارا لإشعال الفتن وربما لحَمل السلاح ولبعض الاغتيالات السياسية.
ماذا تريدون أيها السياسيون، وأنتم تجلسون على كراسيكم الوثيرة بكل هدوء مُصطَنع وماكر، وصبيانكم يجلسون خلال الأحياء الشعبية والتجمعات العمّالية، يَبثّون الروع والخَوف ويؤجّجُون الحرائق، يَقطعون الطّرق متى شئتُم وكلّما دعت الحاجة، ويَعتصمون في مقرات العمل متى شئتُم وكلّما دعت الحاجة.
وأنتُم تملكُون المنابر الاعلامية وتمثّلون لوبيات الفساد والمال الفاسد وأنتم أيضا تُحرّكون الماء الآيد الرّاكد الذي صار مَرْتَعًا خِصبًا لتوالد العناد والكره والحقد..والتّفرقة !
أيها السياسيون، لقد كَرِهتكم وكرِهتُ أخباركم وكرهت أخبار الثامنة ليلا للتلفزة الوطنية وأخبار الاذاعات وأخبار الصّحف فلا شيء يُرجى منكم ولا شيء نأمله منكم.
لقد مسّنا الضرّ، واستبد بنا البأس، ولسنا من رأي الهجرات السريّة، فلم نجد بُدًّا من أن نرفع اكفّنا الى الله متضرّعين ومستغيثين أن يحفظنا ويَلطف بنَا ويحفظ وطننا تونس ويلطف بها.
ونشكو الى الله ضعفنا وهَوانَنا أمام جبروتكم، وانا نيتكم المفرطة وحبّكم للكراسي والتفاني في خدمتها ولعلّي أذكُر هنا دعاء سيدنا نوح في سورة القمر : “فدعا ربّه أنّي مغلوب فانتصر” (آية عدد10)
بقلم : عبد الكريم الحشيشة