قصّـــة : السيــــــاسي والسلطــــان

يروى ويحكى أن سلطانا أصابه الأرق ليلة فأخذ يتنصّت للحركة والأصوات في الشوارع…وفجأة سمع صوت رجل ينادي ويقول : (أنا السياسي…أنا السياسي…أنا السياسي…)
صفق السلطان فأقبل عليه الحاجب وهو ينحني ويقول : السلام على مولانا- ماذا يريد مولانا ؟
قال السلطان : أريد أن تحضروا إلي هذا الرجل الذي ينادي ويقول : (أنا السياسي..)
أمر السلطان لا يقابل الا بالطاعة…بسرعة وصل الخبر الى الحرس…وبسرعة ألقي القبض على السياسي المنادي…وبسرعة كان أمام السلطان.
سأله السلطان : أنت سايس ؟ قال : لا يا مولاي، أنا السياسي.
غضب السلطان وقال : أنت تكذبني ؟ تكذب أذني ؟ أنا سمعتك تقول : أنا السّايس، وأنا عندي في الاصطبل سايس يسوس الخيل أصابه الكبر والوهن، وقد اخترتك وعينتك بدلا منه…
أراد السياسي أن يجادل ويمتنع فجاءه التهديد..فقبل وامتثل.
تسلم السياسي الاصطبل من السايس بعد أن نبّهه وحذّره من التهاون بفرس السلطان فهو عنده أعز من روحه وقال له : احذر أن ترى فيه عيبا فتخبره به فمصيرك الإعدام.
بقي السياسي يسوس خيل السلطان ويبدي اهتمامه ويحسن رعايتها ولكنه وجد نفسه يراقب فرس السلطان أكثر، ويعد عليه حركاته وسكناته…
مرّت أيام، وفي يوم تذكّر السلطان ذاك السّايس فأمر بإحضاره فلم يحضر، لم يجدوه، فقد فرّ…
أمر السلطان بالتفتيش عنه ففتشوا ووجدوه وأوقفوه بين يدي السلطان. رفع السلطان وخفّض بصره في السياسي، ثم تنحنح، ثم سأله : هل وجدت في فرسي عيبا ؟ ارتعش السياسي ثم ارتمى على يد السلطان يقبلها وهو يقول : اعفني يا مولاي.
قال السلطان : أرى أنك قد وجدت فيه عيبا، هيا أخبرني عنه وإلا فإن هذا السيف يلعب برقبتك…قال السياسي : أعطني الأمان يا مولاي..قال : لك الأمان..
قال السياسي : فرسك أصيلة ولكنها لم ترضع من أمّها الأصلية، انها رضعت من بقرة – اندهش السلطان وقال : كيف ؟ أسرع الوزير وقال : يا مولاي، لقد ماتت أمّها عند ولادتها ولم يكن لدينا غير بقرة حلوب فأرضعناها منها – تعجب الملك وسأل السياسي ؟ كيف عرفت هذا ؟ قال : يا مولاي الفرس الأصيلة تعلف من معلف في رقبتها وهي مرفوعة الرأس وهذه تبحث عن العلف من الأرض مثل البقر…صفق السلطان وقال : ضمّوا هذا الى المستشارين في قصري، فهو سايس وسياسي…فهل في تونس سائسون يسوسون البقر أم سياسيون يفرّقون النقد والشر ؟ (أعطني عقلك)
قالوا : إذا أعطيتم السياسي مفاتيح المدينة غيروا الأقفال حتّى لا يدعي أنه مالك المدينة