قبل أن يمضي مهرجان صفاقس الدولي بعيدا
قبل أن يمضي مهرجان صفاقس الدولي بعيدا:
1- الحاجة إلى توثيق تاريخه وذاكرته
2- إضافة “وصلة” ثانية في نشاطه… للفك
3- إطلاق لقاء تشاركي حول مستقبل المهرجان
كتب رضا القلال
حفل صابر الرباعي يوم 16 اوت الجاري كان “رقصة الوداع” للدورة 43 لمهرجان صفاقس الدولي، وستدخل هيئة المهرجان في “راحة تقليدية ” على غرار الهيئات السابقة والمهرجانات السنوية، ولن تعود إلا قبل أسبوعين او ثلاثة من المهرجان القادم لتقدم لنا برمجة تقدّ على عجل!
ولتوضيح ما تقدم، تقول لنا هيئة مهرجان صفاقس الدولي “أنا هنا” وإنما إلى اللّقاء في جويلية القادم 2024، وكأن المهرجان شهر “رمضان المقدّس” لا يعود إلينا إلا بعد سنة تقريبا، باعتبار تقدمه 11 يوما في الزمن.
ولقول الأشياء بطرق مغايرة، مهرجان صفاقس الدولي “حدث ثابت” في الزمن، “واقف” دوما بين إحدى عشر شهرا بالتمام والكمال. لا يقوم إلا “برحلة واحدة” في السنة ويستكين الى الراحة المطمئنة بقية العام!
هذا الكلام لا يستقيم طبعا إلا “بقوة الاقتراح”، والهدف المرغوب تجاوز الإطار الضيّق لمدّة المهرجان، الذي أصبح على مقربة من الفعاليات “الجامدة” في بضعة أسابيع محدودة لا أكثر على مدار سنة كاملة، وهو مع الأسف يحصل في كل المهرجانات تقريبا. فلو نأخذ الخمس سنوات الأخيرة على سبيل المثال (12x 5 يساوي 60 شهرا) لم يشتغل المهرجان إلا خمسة شهور فقط أي أقل من 10% طاقته (باحتساب مدة المهرجان شهرا في السنة) وعلينا أن نفترض أسوأ النتائج في 10 سنوات….
ومن نافلة القول، لا تفتقر هيئة المهرجان إلى كفاءات عديدة، يتقدمهم الأستاذ فرحات بريك مدير المهرجان والفريق المرافق له، للإصغاء لصوت الإدراك، والتمرّد على رتابة الذات، ومحاولة اقتحام لغة التجديد والخلق، وإعادة ترتيب نواميس أدبيات الثقافة بالجهة، بالتالي الدعوة جليّة مثل قرص الشمس لاتخاذ قرار جريء يتمثل في إحداث “وصلة ثقافية” أخرى في ربيع سنة 2024
الخروج من مهرجان(الترفيه) إلى مهرجان(الفكر)
وبما أن صيف المهرجان مخصّص في الترفيه والموسيقى وبقية الفنون، لماذا لا يكون الربيع القادم مسكونا بهواجس الأسئلة الثقافية والفكرية؟ وبدل “الربيع العربي” البائس يصبح لنا ربيعا عقلانيا، يكون موعدا سنويا للمؤتمرات الفكرية أو الأيام الدراسية. وبذلك نحقق معادلة رائقة هي الخروج من مهرجان(الترفيه) إلى مهرجان(الفكر)، وبذلك تقدم الهيئة على إعادة ترتيب الزمن المهرجاني، ومنح المهرجان السنوي مسارا آخر وأوكسيجانا جديدا. وبذلك يصنع فريق المهرجان كذلك وعاء مغايرا نسبيا، ويكون منتصرا للنشاط المستمر، وإنجاز التوازن بين عمله الترفيهي وعمله الفكري.
وحتى أكون إيجابيا أكثر، لأني لو أتكلم بهذا المنطق لغضبت كل الدوائر الثقافية، التي هي حقيقة محتاجة إلى كثير من التقويم والنقد وأولها “دكاكين” التكريم التي فتحت على كامل الواجهات الثقافية، وفقد مصطلح “التكريم” أي رمز أو دلالة له، وانا لا أرغب في هذه العلاقة المتوترة لأني قريب من الساحة الثقافية، وتعلمت مقولة الحكيم الصينى كونفيشيوس” بدلا من أن تلعن الظلام أوقد شمعة”، أو “إضاءة شمعة خير من لعن الظلام “
ولتوضيح ما تقدم، قبل أن تفتح هيئة المهرجان قضايا الثقافة والفنون والفكر في الربيع المقترح، وهي أعمال من صلب تاريخ المهرجان، وله فيها تقاليد عريقة حقيقة، فقد ترك هذا المهرجان اعمالا عظيمة تستحق التقدير، لذا عليها أن تهتم بذاكرتها وأن توثق تاريخها. أيعقل أن تكون ذاكرة المهرجان “أوهاما”؟ لا نجد في أرشيفها، وهو بعمر 43 سنة، لا صورة ولا وثيقة ولا برامج سابقة، ولا إمكانية الدراسة والبحث للطلبة؟ هذه الأمور في أدبيات الثقافة هي بمثابة ” دمعة” أو “وجع” أو على الأقل “ضجيج” في ذاكرة المهرجان، والجميل أن تكون هذه الذاكرة “شجرة” حمّالة لكل ثمار تاريخه.
حتى لا تحكي شهرزاد شهرا في السنة
واللاّفت للانتباه أن المهرجان محاط بحضور فريد من “منتدى صفاقس للفنون والثقافات” الذي يرأسه بجدية عالية الأستاذ محمود دمق، وهي جمعية عرفت بحركيّتها وبنشاطها الممتد والمستمر منذ سنوات، كما تؤمن منذ سنتين حلقة الوصل بين وزارة الشؤون الثقافة وهيئة المهرجان بحسب اتفاقها مع المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجات والتظاهرات الثقافية والفنية، وتبعا لذلك تقوم الجمعية منذ الدورة 42 (2022) بتنظيم هذا المهرجان، وهي ملزمة “بإطلاق تفكير تشاركي حول اهداف المهرجان العامة وتحديد تموقعه ومحتواه شكلا ومضمونا”.
والمحصّلة، مهرجان صفاقس الدولي ما زال بحاجة إلى جرأة في التصوّر الثقافي، ويعيش في نكوص على مستوى الذاكرة “الغائبة”، وتاريخه يعاني من الإشكاليات وسجين بين براثن الشفوية. وهو بطاقاته قادر على إحداث نقلة نوعيه في مساره العريق، وفي إحداث ريادة جديدة، وتداعيات إيجابية على كامل المشهد الثقافي بالجهة. وعود على بدء، آخر سهرة لمهرجان صفاقس الدولي هي الحكاية الاخيرة لشهرزاد، قبل ان تعود إلينا بعد أكثر من عام، وهذا الوضع من الأفضل تجاوزه برحابة الصدر والحكمة، وهذه الورقة تحمل بعض الأفكار للمناقشة قبل ان يمضي قطار المهرجان بعيدا أكثر، لأننا جميعا نرغب في أن يتحول هذه الحدث السنوي إلى عربات زاخرة بالنشاط الثقافي والترفيهي والفكري على فصول السنة.