فشل الثورة
الأحرار يؤرقهم القلق على مصير بلدهم الذي عهد به لسلطة منتخبة. وكيف لا ينشغلون وقد تعددت القرائن على تعثر تلك السلطة بشكل لا أمل معه في تحقيق تقدم يذكر بل ربما وجدنا أنفسنا في دولاب من الأوهام تسمع فيه جعجعة ولا ترى طحينا.لذلك يحق للمنشغلين أن يسالوا بمرارة: ماذا بعد هؤلاء؟ من البديل؟ ومع أي فريق يكون الخلاص؟. الصورة واضحة المعالم شكلا ولكنها مهتزة مضمونا: هل من المعقول أن ينتكس حالنا فتعود السلطة إلى جحيم خائن؟ وهل بوسع التمثيليات النيابية الصغيرة تكوين أغلبية متنافرة قادرة على صنع التناغم؟ وهل تؤول السلطة في النهاية إلى تحالف حزبيْ فاشل؟ كل ذلك جائز ولكن ليس كله مقبولا عقلا ولا أخلاقا ولا وفاء للوطن. انه في رأينا لما تتعدد أوجه معالجة الوضع السياسي المتشابك لا ينبغي أن نتخيّر أفضل الحلول لإتباعها وإنما علينا أن نحدد أسوأها لتجنبه إما بكشف الأدوار التي تحاك في الظلام أو بفك شفرات المناورات الرامية للالتفاف على السلطة بالغدر والخيانات. وانه بقدر ما أصبحت أخص بعض رجال السياسة المنتمين لحزب حركة النهضة باحترام حقيقي لأنهم بخروجهم من دائرة السلطة استطاعوا التخلص من عقدة مهضوم الجانب المتسترة بمركب فائض الأتباع، وأدركوا أن بناء الشخصية الوطنية إنما يتحقق بالاخلاص والإشعاع وبالحس المشترك وهو السبيل الذي يتحقق به مستقبل النهضة السياسي عموما وليس بالتنكر للأخطاء أو بخلع ثوب وارتداء آخر، ولا بتصاريح خاوية لا تقنع ولا تعبر عن التوبة وهي سمة الأغلبية الفاعلة في حركة النهضة لحد الآن، ولذلك فان كل مشروع يقوم على عودة الحركة إلى كرسي السلطة يظل مغامرة وخيمة العواقب. فوطننا مازال يتخبط- وبتكاليف موجعة- في مصائب من مخلفات فترة حكم النهضة.