عندما يموت الضمير و تطغى المادّة!!!
ما قولكم في أستاذ متغيّب عن عمله بدعوى إجازة مرضيّة ولكنّه خلال نفس الوقت يعطي دروسا خصوصيّة بمقابل في منازل التلاميذ أو مراكز خاصّة ؟!
ربّما يقول البعض منكم أنّ هذه حالات شاذّة والشّاذّ يُحفظ ولا يُقاس عليه، ولكن ما سأخبركم به الآن، وما حصل فعلا في معهد بطريق قرمدة بصفاقس حيث يدرس إبني، يُعتبر بمثابة المسمار الأخير في نعش التّعليم الحكوميّ ببلادنا، فعندما يطلب الأستاذ في نهاية شهر أفريل من تلاميذه بالباكالوريا عدم المجيء إلى القسم بحجّة أنّه أنهى البرنامج الدراسيّ المكلّف بتقديمه خلال هذه السّنة ويحرمهم من إصلاح تمارين وفروض إضافيّة تاركا إيّاهم يتخبّطون في المراجعة بمفردهم، فاعلموا أنّه على الدّنيا السّلام وأنّ الضّمير المهنيّ قد مات و قُبر وحلّ محلّه الجشع والرّغبة في تكديس المال بدون وجه حقّ على حساب أولياء لا حول لهم ولا قوّة.
هذا ما يحدث هذه الأيّام في معاهدنا حيث يمتنع عدد من الأساتذة عن تأدية واجبهم إلى حلول آخر يوم من العام الدّراسيّ (31 ماي) وذلك ليتفرّغوا للقيام بالدّروس الخصوصيّة بأثمان خياليّة خاصّة في الأقسام النّهائيّة (التّاسعة أساسي والرّابعة ثانوي) حيث يضطرّ التّلاميذ لمواكبة التّيّار والإنخراط في منظومة السّاعات الإضافيّة رغم أنوفهم وذلك لاستكمال البرنامج والقيام بتمارين تمكّنهم من استيعاب ما لم يقدروا على فهمه خلال الدّرس.
رحم الله زمانا كان فيه المعلّم رسولا وكانت فيه الدّروس الخصوصيّة مقتصرة على المدرسة أو المعهد وذلك بأسعار رمزيّة لا تثقل كاهل الأولياء،كان فيه التعليم بحقّ مجّانا ومُتاحا لكلّ فئات المجتمع بدون تمييز وكان فعلا مصعدا إجتماعيّا يمكّن كلّ من جدّ واجتهد من نيل أغلى الشّهادات وبلوغ أعلى المراتب.
أمّا في زماننا هذا فقد انقلبت جلّ المفاهيم وأصبح التّعليم مطيّة للبعض للثّراء الفاحش على حساب الآخرين، ولم يعد شعار مجانيّة التّعليم سوى سرابا ودربا من الخيال حتّى أصبح الوليّ لا يتمنّى إلّا أن يتكرّم الأستاذ و يقبل بالقيام بواجبه إلى آخر يوم دراسيّ، وكأنّه يصرخ بوجهه مردّدا المثل الشّعبيّ : “أعطيني علاقْتي وما حاجْتي بعنب”