طلب العلم في غرفة احميد التريكي
وفد في صفاقس الشيخ الصّوفي المعمر ما بين أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين…وفد عليها رجل ولد بالكاف سنة 1861 واشتهر بين الناس بالشيخ الكافي…
هذا الرجل ما ان حفظ القرآن وهو صغير حتى تعلقت همّته بطلب العلم فسافر الى الوردانين ومنها الى صفاقس..ومن صفاقس الى طرابلس الغرب فبنغازي والإسكندرية، ومنها الى بيروت التي وصل منها الى دمشق. ومنها دخل بيت المقدس، وبعد مدّة سافر الى القاهرة..ومنها سافر الى الحج..عاد الى القاهرة ومنها دخل صفاقس وما خرج منها إلا ليتردّد على الأستانة ومصر وبيروت ويعود الى الحج وتنتهي رحلته الطويلة في دمشق ليقضي فيها ما بقي من سنوات عمره – رحمه الله – ألف في الفقه والحديث والتصرّف وغيرها أكثر من عشرين كتابا
هذا الرجل الرحّالة كان في كامل رحلاته وزياراته المدن الإسلامية يجلس الى العلماء ويطلب العلم ممّن اشتهر من شيوخها، كما كان يهتدي بقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) (رواه أبو هريرة) لذلك ارتوى علما من العلماء ونشره بين الناس في كل مدينة ارتحل إليها وأقام مدّة بين أهلها..ومن هذا الطريق فتح لنفسه بصفاقس حلقة تدريس بمسجد (سوق الجمعة) فأقبل عليه طلاب العلم ولازموه في دروسه ونشروا ما رووا عنه وكان من بينهم (الشيخ احميد التريكي)
هذا الشيخ التريكي وان تحصّل على الشهادة الابتدائية في عهد الحماية فنجا بها من التجنيد بالجيش الفرنسي إلا أنه أحب العلوم الدينية التي وجدها في دروس الشيخ الكافي..
ولينعم بصحبة الشيخ جمع بينه وبين بعض تلاميذه في (غرفة) توفرت فيها جميع مرافق السكنى يبيت فيها الشيخ الكافي ويسهر مع بعض مريديه في الحوار العلمي (غرفة في نهج ابن خلدون بصفاقس)
من بين المريدين الذين اشتهروا (بالكافيين) المرحومين الحاج محمد كمون ومحمد بن الحاج محمد السلامي، وأحمد بن الحاج محمد السلامي والحاج محمود الشعبوني والطيب الخراط وعلي ڤدور الذي تولّى طبع بعض كتب الشيخ الكافي (إحكام الأحكام على تحفة الحكام لابن عاصم) (النور المبين على المرشد المعين لابن عاشر)
ولمّا سافر الشيخ الكافي وودّع صفاقس رأى الطالب الشيخ (احميد التريكي) أن يبقي نور العلم يتواصل في الغرفة التي عرفت بغرفة التريكي..فكان يفتحها لطلبة الشيخ نهارا يتداولون فيها قراءة بعض كتب التفسير والحديث والفقه المالكي..كما كان الشيخ التريكي يبيت في الغرفة بعض الليالي ليسهر مع بعض رواد الشيخ الكافي في حوار أغلبه علمي…وكان الشيخ التريكي – رحمه الله – يعدّ عشاءه وعشاء ضيفه بنفسه…وأذكر أنني سهرت ليله مع جدّي في هذه الغرفة فقدّم لنا الشيخ التريكي (مقرونة باللحم) وهي أوّل مرّة أراها وأمدّ يدي إليها…بعد العشاء انكببت أنا على مراجعة دروسي وانكبّا على مطالعة كتاب…فهل بقيت مصابيح كمصابيح غرفة التريكي ؟ أعطني عقلك.