صفاقس عندما تفيض الكأس!!!
عندما تتجوّل في مدينة صفاقس (عفوا هذا الفعل غير مناسب في هذا الموضع لأنّ لا مكان للتّجوال في هذه المدينة ذات المليون ساكن) أو بالأحرى عندما تجبر على التنقّل من مكان سكناك إلى مقرّ عملك أو دراستك، تعترضك أكوام القمامة بروائحها الزكيّة العطرة خاصّة مع ارتفاع درجات الحرارة في هذه الأيّام وما تسبّبه من تكاثر للبعوض والذّباب والحشرات السامّة، ولا شكّ أنّ الأمر سيزداد سوءا وتعقيدا كلّما اقترب فصل الصّيف.
هذه حالة المدينة منذ أكثر من ثمانية أشهر وقد عجزت البلديّات عن إيجاد الحلول الجذريّة لمشكلة رفع الفضلات وذلك لضعف الدّولة وعجزها عن اتّخاذ قرارات صارمة تتمثّل في فتح مصبّات كفيلة باستيعاب الكمّيّات الهائلة من القمامة المتراكمة كلّ يوم.
وأمام هذا الوضع المزري، فإنّي أعجب لحالة متساكني الجهة الذين طبّعوا مع تواجد الفضلات في كلّ مكان وخاصّة في الطّرقات الفرعيّة إذ تكتفي بعض البلديّات برفع القمامة من الشّوارع الرّئيسيّة حتّى تخفي إخفاقها في حلّ هذه المعضلة أمام الزّائرين وخاصّة المسؤولين القادمين من العاصمة في سيّاراتهم الإداريّة الفاخرة.
لقد بلغ السّيل الزّبى ولم يعد أهالي صفاقس قادرين على مواصلة هذا التّطبيع مع الأوساخ والتلوّث، إذ أنّنا سئمنا الحياة في بيئة كريهة وتحت أنظار أشباه مسؤولين لا همّ لهم سوى المحافظة على مناصبهم. أمّا عن باقي الدّولة، فحدّث ولا حرج إذ أنّها غائبة تماما متّبعة سياسة النّعامة بدسّ رأسها في التّراب، فهي لم تحرّك ساكنا وكأنّ الأمر لا يعنيها وكأنّ مدينة صفاقس لا تخصّها ولا تستحقّ منها أيّ اهتمام.
فلا تستغربوا عندما تهاجر الأدمغة ويفرّ أصحاب الشّهائد العليا إلى الخارج ويقرّرون عدم العودة إلى وطنهم، ولا تعجبوا لمّا تشاهدوا كلّ يوم مئات الأشخاص يلقون بأنفسهم في عرض البحر للفرار من هذا البلد حتّى أصبح حلم كلّ واحد فينا الهجرة (شرعيّة كانت أو غير شرعيّة) إلى أيّ بلد آخر يطيب فيه العيش وتستقيم فيه المقوّمات الدّنيا للحياة الكريمة وذلك لأنّ صبرنا قد نفذ وغيرتنا على بلادنا قد وُئدت منذ بداية هذه العشريّة السّوداء المقيتة التي عانينا منها الأمرّين والتي تسبّبت في تقهقرنا بين سائر الدّول.
محسن العكروت
أستاذ تعليم عال