صفاقس بين شعريَّة المتنبي ومَأْسَسَةِ الطحين
يقول الشاعر العظيم أبي الطيب المتنبي في قصيدته مَغاني الشَعبِ :
مَغاني الشَعبِ طيباً في المَغاني ***بِمَنزِلَةِ الرَبيعِ مِنَ الزَمانِ
وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها ***غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ
مَلاعِبُ جِنَّةٍ لَو سارَ فيها*** سُلَيمانٌ لَسارَ بِتَرجُمانِ
في النص إسقاط تاريخي يكاد ينطق بل ويكاد يكسر منجز المدرسة الهيجيلية في علم التاريخ حيث التاريخ مستحيل أن يعيد نفسه وهو ما يتنافى مع السرد الخطي .للتاريخ ويتجلى في مبدأ الصراع كمحرك أبدي للتاريخ ( بعد هذه الثرثرة النظرية أدخل في صلب الموضوع ).
بعد عشر عجاف ( بل وأكثر ) ذاق فيها المواطن والبلاد ويلات وخيبات سياسية وتنموية لا تخفى عن أعمى وبعد اجتهاد كل الطبقة في تجفيف منابع الثروة ومحاصرة الطبقة الوسطى وتفقيرها عن سابقية إضمار وترصُّد بعد سنوات من القمع الممنهج لجيب التونسي وتطبيق مبدأ تعميم الفاقة ودمقرطة الإحباط والغربة ( غربة الفتى العربي والمتنبي )هلَّت علينا لحظة تاريخية اعتبرها بعض الحمقى ( وأنا من بينهم ) بادرة خير وفرصة تاريخية لانتشال العباد والبلاد من نير الاحتباس التنموي والعقم السياسي لكن على رأي المتنبي مرة أخرى ” ما كلُّ ما يتمنَّى المرء يدركه” حيث بقيت دار لقمان على حالها لهذا وجدت المتنبي أو وجدني ونحن نعيش غربة مربكة ونحن بين ظهرانينا فصفاقس مدينة العلم والمعرفة ، مدينة الفكر وقلعة النضال باتت عاصمة القمامة بعد أن فقدت حنان البلدية وصارت يتيمة بيئية ، مدينة يكون الفتى العربي فيها غريب القلب واليد واللسان ، مدينة احتلها طبور من الفشلة وشذاذ الآفاق فحولوا وجهتها للبأس والأوساخ مدينة يرأس بلديتها نحرير يحارب الدنيا ومن فيها لشراء سيارة فارهة لكنه لا ينزعج من تفشي القاذورات في أنهجها وفي سبيل بذل الجهد والتفاني في إتعاس المواطن إضافة لهمومه السابقة ابتكرت السلط المحلية حيلة أخرى وهي ” نظرية الاستفزاز المنهج وخصي الرمزية ” كيف لا وقد دُشن يوم الاثنين 14 مارس2022 مجسّم المدينة لعمال النظافة بالبلديات تكريما لهم وتخليدا لمجهوداتهم الذي تم تركيزه بمفترق باب القصبة لمدينة صفاقس ( تكريم من ؟ ومجهودات ماذا ؟ أيها الأبله )وقد حظر هذا الموكب البهيج: ” السيد فوزي مراد والي صفاقس صحبة السيد نورالدين الطبوبي الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل والسيد منير اللومي رئيس بلدية صفاقس وثلة من الإطارات الجهوية والمحلية وممثلي المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني وعمال النظافة ” ( بيان مكتوب بماء الخشب ) حقيقة أكاد أبكي غيضا وقهرا ورغم تجاهلي للخبر زرت المكان للتأكد مما سمعت وقرأت …حقيقة لك الله يا صفاقس .
أ في صفاقس حقا تقام وتُدشنُ النصب والتماثيل لتكريم العمل البلدي ؟ حقيقة لست مصدقا لهذه اللحظة وأنا مصدوم وصدمتي مضاعفة من حجم المآمرة وتفشي نظرية الرقص مع الذئاب والتطبيع مع الكذب والنفاق..
الأمين العام للاتحاد والوالي ورئيس البلدية كل هذه الطغمة لم ترى أطنان القمامة ألهذه الدرجة صار العمى شعار المرحلة ألهذه الدرجة صرنا نتهافت على الغزوات والسلفيات حتى مع حذاء أو شحنة تلاقيح لهذه الدرجة وصلنا للدرك الأسفل من البذاءة وشهادة الزور. أن يجوع التونسي ولا يجد المواد التموينية الأساسية فلا مشكلة أن تصبح البلاد علامة مسجلة في التسول لا مشكلة أن تصير صفاقس عاصمة القمامة بامتياز لا مشكلة أن تجوع الحرة وتأكل من ثديها لا مشكلة أن نُمَأْسِسَ لأن تصبح الدولة شركة استخلاص ديون والغة من دم المفقرين والمعدمين لا مشكلة أن تستأسد الدولة بأجهزتها وجباتها ونخاسيها واتحادها و إعلامها و بلديتها لا مشكلة المهم توفير الطحين ( أقصد مادة الفارينة باللهجة المحلية ولست ملوما عن سوء الفهم إن وجد)