رمزية الحيوان في الاعمال الفنية و الأدبية

عند متابعتي لبعض المشاهد من المسرحيات الموجهة لمسرح الطفل في العالم العربي من بينها مسرحية “الدب ” و “الدب و الأرانب” و” الدب والعسل والنحل” وغيرها أتساءل من أي خلفية أُنْزل الطفل الممثل في هذه المسرحيات إلى مرتبة الحيوانات ويظهر في الدور الموكل له على هيئتها.
بعض القائمين على مسرح الطفل من المنسلخين عن إنسانيتهم أو من المقلدين برون ان الظهور على شكل حيوان في مسرحية ما هو لملامسة الجمال و لإبراز موعظة وحكمة ولتحقيق الإبداع ولبعث الانشراح في نفوس الجمهور المتفرج
لكن أي جمال و أي انشراح في نفس إنسان يعتز بإنسانيته وهو يرى شخوصا تتحرك أمامه على شكل وهيئة حيوان؟ و هل نعجز عن تمرير حكمة وموعظة ونؤدي دورا ونحن بكامل إنسانيتنا؟
صحيح أن الحيوانات تعد من أكثر الرموز استحواذًا على خيال الفنانين و الأدباء في مختلف الأعمال الفنية والأدبية عبر العصور ولكن نحن كمسلمين علينا أن لا نأخذ من ثقافات أمم سابقة كالفرعونية والهندوسية والإغريقية التي أعطت للحيوان مكانة علوية وصلت إلى حد الألوهية والعبادة وغيرها من المعتقدات التي يؤمن اتباعها أن أرواح الحيوانات تحمي بعد موتها البشر و أن بني البشر يولدون مرة ثانية بعد الموت على هيئة حيوانات لتنعكس كل هذه المعتقدات في مجالات الأدب ومختلف الفنون
وإلى الجانب العقيدة الوثنية في تقديس الحيوانات وعبادتها وانعكاس ذلك في مختلف الفنون فإنه ومن خلفية نفسية وجبن بعض المسرحيين و الأدباء والكتاب خاصة في نقد الأنظمة المستبدة أتت بعض أعمالهم الأدبية على ألسنة الحيوانات لتكون القناع الذي يتخفون خلفه للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم ومواقفهم تجاه مختلف القضايا وخاصة السياسية منها مثل كتاب ” بنجاتنترا ” للفيلسوف الهندي بيدبا والذي ترجمه عبد الله بن المقفع بعنوان “كليلة ودمنة” وجاء على لسان الحيوانات لجبن مؤلفه بيدبا وعدم قدرته على نقد مباشر للملك دبشليم الذي كان صالحا فأصبح ظالما وطاغيةوهو ما كان مع عبد الله بن المقفع في نصحه ونقده للخليفة المنصور الذي عرف بشدته وبأسه مع من يخالفه.
و لنا أن نذكر أيضا رواية “مزرعة الحيوان ” للكاتب والروائي البريطاني إريك آرثر والذي اشتهر باسم جورج اورويل أكثر.
و تعتبر “مزرعة الحيوان” من أبرز الأعمال الأدبية في القرن العشرين، حيث تقدم على لسان الحيوانات نقداً لاذعاً للديكتاتورية والفساد السياسي وكبت الحريات وغياب العدالة الاجتماعية وهي إسقاط مباشر على الثورة الروسية وصعود الستالينية في الاتحاد السوفيتي كما راى ذلك العديد من النقاد.
ونحن كمسلمين علينا أن ننزل الإنسان في مختلف الأعمال الفنية والأدبية المكانة التي تليق بإنسانيته التي كرمها الله بها على جميع خلقه بل وكان تشبيه الله الإنسان بالحيوان عن طريق المسخ و الذم كما جاء في الآيات التالية:
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- الجمعة -5﴾
(وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخْلَدَ إِلَى ٱلْأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ ۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا ۚ فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ- الأعراف- 176)
( أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا -الفرقان -44)
بل إن من غضب الله وسخطه على أصحاب السبت عاقبهم بمسخهم قردة وخنازير
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ – البقرة -65)
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ- المائدة-60)
هذا وتعدى محاربو إنسانية الإنسان من المجال الفني إلى النظريات العلمية ليدعي داروين بذلك أن أصل الإنسان قرد والمؤسف أن هذه النظرية الخبيثة والخطيرة تدرس في مناهج التعليم عند بعض المسلمين في حين أن بين أيديهم قرآنا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يذكر لهم أصل الإنسان ومراحل خلقه.
هذا وبالعودة إلى مسرح الطفل علينا أن لا نجعل هذا الطفل منذ صغره في عداء مع إنسانيته و أن نبتعد عن التقليد الذي ابتدأنا به مسرحنا ككل في العالم العربي حيث كانت أول مسرحية سنة 1947 بعنوان “البخيل”- وهي ترجمة بتصرف لمسرحية الشاعر الفرنسي موليير L’Avare – وأن نقدم مسرحنا الخاص بنا ومن خلفية هويتنا الإسلامية و اعتزازنا بإنسانيتنا ولسنا في حاجة للنزول لمرتبة الحيوان ليجمع مسرحنا بين إصلاح المجتمع و الفائدةِ والمتعةِ والتسلية من منظور أخلاقي إسلامي متكامل في مبادئه،وليس للضحك الأجوف والتسلية الفارغة إلا إذا كان البعض يصر على إطلاق رصاصة الرحمة على الإنسانية التي باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة ونشاهد ذلك في غزة وما يفعله أعداء الأمة من حصار وتجويع وقتل لأهلها حتى اصبحنا أقرب منا إلى غابة تتصارع فيها الحيوانات ويأكل القوي منها الضعيف وهنا يليق بمن يقود هذه الإبادة ومن يشاركهم فيها ولو حتى بالصمت وبالسلبية أن ننعتهم بالحيوانات.
بقلم ليلى العود
وهو