تونس : في اليوم العالمي للتوحد ”أكثر من 7000 طفل مقابل مركز عمومي واحد مختص ”
يعد اليوم العالمي للتوحد فرصة أمام المجتمع الدولي للتذكير بالصعوبات و العوائق التي يواجها أطفال التوحد و تذكيرا بأهمية مزيد العمل على مساندة هذه الفئة و تمكينها من الرعاية الأساسية و الضرورية في اطار اعمال مبدأ المساواة بين جميع الأطفال إلا أن الأمر يختلف قليلا في تونس حيث يمثل هذا اليوم فرصة للقائمين على شأن الطفولة لاستعراض شعاراتهم و مشاريعهم المفرغة .
و في هذا السياق قررنا البحث في موضوع أطفال التوحد في تونس و الوقوف عند أبرز الانتهاكات التي يعاني منها اللأطفال بدرجة أولى و أولياءهم بدرجة ثانية ’
في البداية يجب أن نطرح السؤال حول تمتع أطفال التوحد بحقهم في تلقي تعليم خصوصي عمومي ؟
رغم أن الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل نصت في المادة 23 على حق الطفل في مجانية التعليم و في الرعاية الخاصة بصورة تؤدى إلى تحقيق الاندماج الاجتماعي للطفل ونموه الفردي ، بما في ذلك نموه الثقافي والروحي ، على أكمل وجه ممكن . و رغم تنصيص الدستور التونسي في الفصل 47 منه على ان ”حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة و الصحة و الرعاية و التربية و التعليم ”
لا نجد مراكز عمومية مجانية موجهة نحو خصوصيتهم سوى مركز واحد بسيدي حسين السيجومي مقابل 6000 (الرقم يعود لسنة 2016) طفل يعانون التوحد بكامل تراب الجمهورية وهذا في حد ذاته انتهاك لحق الطفل في التعليم و لما ورد في المواثيق الدولية و هو أيضا مظهر من مظاهر ممارسة التمييز.
ان غياب مراكز عمومية تعنى بأطفال التوحد يفترض على الأقل وجود برامج ادماج لأطفال التوحد بالمسار التعليمي العادي
بالاتصال بالسيد الهادي بن منصور – متفقد بيداغوجي- أستاذ جامعي في التربية المختصة – و استفسارنا حول المقاربة الادماجية للأطفال المصابين بالتوحد في المسار المدرسي أفادنا بأن تقديرات تشير الى أن أطفال عدد أطفال التوحد بلغ 7500 طفل سنة 2017 كما ان عدد الأطفال المدمجين سنة 2016 لا يمكن أن يتجاوز ال1000 طفل و ذلك باعتبار وجود 25 مركز مختص في القطاع الخاص بطاقة استيعاب تقدر ب1000 . و بقراءة عكسية لهذا الرقم نستنتج أن هناك 6500 طفل مصاب بالتوحد سنة 2016 ينتفعوا بأي برنامج متابعة .
تشير الأرقام الى أن عدد الأطفال الذين تم ادماجهم من قبل مندوبية التربية بصفاقس بلغ قرابة 47 طفل و هو رقم ضعيف جدا بالمقارنة مع عدد الحالات ’ لكن السؤال المطروح هنا و رغم هذا الضعف العددي هل يحضى الأساتذة المشرفون على أقسام الادماج بأي تكوين خاص ؟
حسب ما أفادنا به السيد الهادي بن منصور فان وزارة التربية قد أحدث ادارة عامة للأطفال ذوي صعوبات التعلم و رغم ذلك فهي تفتقد لأي برنامج تكوين موجه للمعلمين او الأساتذة أي أن نسبة تكوين الاطار التربوي في كيفية التعامل مع الأطفال ذوي الصعوبات هي 0% .
كذلك حسب تصريح السيدة منجيّة المسعودي ممثلة عن مندوبية المرأة و الأسرة و كبار السن فان القائمين على مؤسسات الطفولة المبكّرة من روضات و محاضن لا يتلقون أي تكوين أو اختصاص في مسألة التعامل مع اطفال التوحد , حتى أن معهد قرطاج درمش لإطارات الطفولة لا يدرس مادة التربية المختصة و هذا في الحقيقة يعكس مدى أولوية الطفولة بالنسبة لصناع القرار .
تمييز متواصل مسلط على أطفال التوحد و أولياءهم من قبل الدولة
ان استقالة الدولة من واجباتها تجاه أطفال التوحد أدت الى انتهاك اخر لحق دستوري و هو المساواة بين المواطنين ففي حين تنصيص الفصل 21 من الدستور على أن المواطنون و المواطنات متساوون في الحقوق و الواجبات يضطر في المقابل أولياء الأطفال الى الالتجاء الى المراكز الخاصة و التي تتراوح كلفتها الشهرية 250 دينار متوسطة الرعاية الى 1000 دينار بالنسبة للرعاية المكثفة هذا بالإضافة الى الاحتياجات الاضافية , فكيف لضعيف و متوسط الدخل مجابهة هذه التكاليف ؟
بما أن التوحد مصنف على المستوى الدولي كإعاقة , فما هو دور الجمعيات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية بالنسبة للمستوى الثاني و الثالث للأطفال المصابين بالتوحد ؟
تعتبر الجمعيات الراعية للأطفال الحاملين لإعاقة جمعيات دامجة أي أنها تستقبل أصناف مختلفة من الاعاقات و هي غير متخصصة في مسألة رعاية أطفال التوحد كما أنها ترفض استقبال أطفال التوحد حسبما أفادتنا به السيدة ” نجوى ” –عاملة بمؤسسة خاصة – و هي ولية لأحد أطفال التوحد حول معانتها و المارطون الذي مر به بين الجمعيات المختصة في رعاية المعوقين من أجل البحث عن مؤسسة عمومية تستقبل ابنها المصاب بالتوحد و ذلك نظرا لضيق حالها و عدم قدرتها على مجابهة مصاريف المراكز الخاصة .
ان الاشكاليات التي تواجه أطفال التوحد و أولياءهم اليوم تعود أساسا لممارسة الدولة التونسية سياسة التمييز على طفولتها و عدم ايلائها أي أهمية للموضوع و اعتبارها أن هذا الملف يتطلب معالجة من زاوية و مساعدة اجتماعية غير أن الواقع مغاير تماما فأطفال التوحد لا يحتاجون لشفقة هذه الدولة البائسة بقدر حاجتهم لمعاملة تكرس مبدأ المساواة و عدم التمييز .