الطبيـب الضريـر
يقال : قبل أن يدخل تونس الأطباء الأجانب والمتخرجون من كليات الطب كان الطب والتطبيب بأيدي الحجامين..والحجامون مرجعهم كتاب (تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب)..وهو كتاب في الطب ألفه داود الأنطاكي..وانضم الى الحجامين بعض المؤدّبين ومن يحسنون فهم الكتاب والقدرة على تشخيص الأمراض وإعداد الأدوية حسب وصف الكتاب…واليوم مازال البعض يعتمدونه ويطببون به..ويثق فيهم بعض المرضى..كان من هؤلاء المرحوم عثمان..فمن هو داود الأنطاكي ؟.
ولادته : ولد في أنطا كية جنوب تركيا الآن، في القرن العاشر الهجري، كان والده عمدة قرية. ولد داود كفيف البصر أصابه مرض أعجزه عن القيام فكان والده يحمله الى رباط الحبيب النجّار لخدمة الزائرين، وفي يوم نزل بالرباط رجل يدعى محمد شريف، فلمّا رآه صنع له دهنا مسّده به في حرّ الشمس من رأسه الى قدميه ولفه في لفافة، وكرر ذلك فتحقق الشفاء، وقام داود على قدميه، وتعلم من هذا الزائر المنطق والرياضيات.
رحلاته : شد داود عصا الترحال فرحل الى بيزنطة وغيرها ليستزيد من العلم، وجاء الى القاهرة فانضم الى المستشفى واطلع على كتب الطب والصيدلة وانتصب يداوي المرضى فذاعت شهرته كطبيب يعالج الفقراء والأغنياء، ولقب بالحكيم..
تذكرته : هذا الطبيب ألف كتبا أشهرها (تذكرة أولي الألباب) واشتهر الكتاب بين الناس (باسم تذكرة داود)..وهو يقول : لما دخلت القاهرة وجدت الطب بيد اليهود فساءني ذلك..ولذلك عزمت على تبسيط علم الطب بين الناس ليستفيد منه المسلمون
قدّم في هذا الكتاب نصائح حول التغذية كالأطعمة التي تناسب أوقاتا معينة، وأطعمة لا يجوز الجمع بينها في الوجبة الواحدة. ودعا الي تبكير الغذاء، وتأخير العشاء…وذكر المفردات الطبيّة بأسمائها المختلفة في اللغات المختلفة حتى يعمّ النفع بها، وذكر منافع كل منها مغسولة أو مسحوقة.
وبما أنه اعتمد في الدواء على النباتات فقد أشار الى مواعيد قطعها حتى يتم النفع بها وحتى لا يكون ضارا، وكما اعتمد على النباتات اعتمد في الدواء على الحيوانات وذكر كيفية استخلاص الدواء منها.
وإذا كان البعض يسخرون اليوم من داود الانطاكي وكتابه “التذكرة” فإن التاريخ يقدّره ويقدّر موسوعته العلمية القيّمة التي عبّرت وأرخت لتقدّم علم الطب في العالم الاسلامي في القرن العاشر الهجري وما بعد.
والتاريخ ينوّه برجل مسلم قوي العزيمة استطاع وهو الكفيف أن يتعلم طب عصره ويضيف إليه..فمن يأخذ الدرس والعبرة ؟ أعطني عقلك
قالوا : يبدأ الطبيب حياته المهنية بأن يصف عشرين دواء لكل مرض وبعد سنوات من الخبرة يصف دواء لعشرين مرضا