السياسة استعراض تلفزيوني
أشعر بأننا نخسر كل شيء، نخسر قيَمَنَا وكَرَامتنا، نخسر تاريخنا ومستقبلنا، نخسر وطننا.
أشعر بأننا نخسر ثورتنا التي كلّفتنا شهداء ومعاقين ومصابين بعاهات دائمة.
أخشى أن نخسر أملا، كنّا نظنّه بعيدًا فإذا به يراقصُنا في الشوارع والأحياء، ويُلامِسُ قلوبنا الممتلئة يأسا وكمدًا فتحولت الى بساتين خضراء تستنشق نسمات الفجر. ونخسر عزما على الفعل، نراه يَفْتُر يوما بعد يوم ترهقه النوايا الخبيثة والأيادي العابثة المنقوعة في دموع المقهورين وعرق الكادحين والملطّخة بدماء الشهداء. أخشى أن نخسر حبّا وتسامحا عاشا في دمائنا فكنّا سدًّا منيعًا ضد كل أشكال العنف والبلطجة والإرهاب الفكري والديني، والاستبداد الذي غرس فينا مخالبه لسنوات طويلة. هذا ما استلهمناه من قادة التنوير ومن مدرّسينا وآبائنا الذين كانوا يَقْسُون علينا تارة، ويبتسمون في وجوهنا تارة أخرى، ويأخذون بأيدينا الى حُقول المعرفة والتفكير والعمل بدون حسابات ولا محاباة ولا مجاملات.
اليوم أبناؤُنا مشتّتون تحكمهم ايديولوجيات مختلفة متنافرة متباعدة متناقضة.
يا للحسرة ويا للخزي، صرنا لا نستطيع أن ندُلّهم على الطريق السوي، ولا نستطيع أن نمنعهم من الجدل العنيف، يتبادلون أسوأ الكلمات وأقذعها وهم في مجلس النّواب ينوبوننا ! ! يُمثّلوننا ! ! ونحن صامتون، أخَذَنا الحياءُ والدّهشةُ وضعفُ أجسامنا. فلم نعد نستطيع أن نصيح في وجوههم ونُلجمَ أفواههم، انّهم يتباهون بما يفعلون وبما يقولون وَأَحْسَبُ أنهم عندما يعودون الى منازلهم يحدّثون أبناءهم بما فعلوا بكل التفاصيل وأدقها وبأسلوب التشويق، وقد أخذتهم العزّة بالإثم. وكنت أظنّ قد انتهى زمن هذه العربدة وقد ترشّدنا، ولكنّهم تمادوا في غَيهم وفي استعراضاتهم.
السياسة في تونس استعراض تلفزيوني
والسّياسيون في تونس نرجسيّون…ينتشون أيما انتشاء وهو يرون أنفسهم على شاشة التلفزة، يصولون ويجولون لا يراعون في ذلك أحدًا ولا مجتمعا، ولا يهمهم توترات المشاهدين.
يا خوفي ما مؤامرات تحاك من وراء ظهورنا باللّيل والنهار من أهل الرّدة ومن اطراف أخرى تزعجها الثورة وتريد أن تئدها قبل أن تَيْنَع ويشتدّ ساعدُها.
ويا خَوفي من أسلحة تظهر فجأة في أيدي مليشيات رجال أعمال ورجال سياسة أرادوا تثبيت سُلطتهم على البلاد بالقوة ويا خَوفي من أحفاد “هولاكو” يأتونا شاهرين رماحهم وسيوفهم فيقتلون ويذبحون ويغتصبون ويحرقون الأخضر واليابس بلا شفقة ولا رحمة.
فهل من عقول واعية وقلوب رحيمة بوطنها وأهله ؟
عبد الكريم الحشيشة