الحسود لا يسود
كان المعلمون يحرصون على أن يزرعوا فينا وعلى ألسنتنا حكمًا نحفظها بعد أن نفهمها. ولكي نفهمها ونحفظها ولا ننساها كانوا يدعمون كل حكمة بحكاية طريفة وقصّة قصيرة
من هذه الحكم التي حفظتها سنة 1940 وأنا في السنة الرابعة من التعليم الابتدائي (الحسود لا يسود) ومع الحكمة رويت هذه القصّـة. ونحن اليوم في أشدّ الحاجة الى هذه الحكمـــة وأخذ الدرس من القصّة التي تقول :
يروى أن سلطانا خرج يوما للصيد في البادية فاعترضه في طريقه بدويّ، بادره بالسلام والتحية فرأى السلطان فيه الأدب، حاوره فوجد فيه الذكاء والفطنة والحكمة، عرض عليه أن يصحبه الى قصره فرحب البدوي وقبل وشكر..
دخل البدوي قصر السلطان فقرّبه منه وأجلسه في مجالس الوزراء في مجلسه، ونادمه، وصار يشاوره، لما رأى الوزير ما رأى من الودّ والتقدير بين السلطان والبدويّ. دبّ في صدره الحسد، وتصور أنه إذا أبقاه قد يأخذ في السلطة مكانه ومكانته لذلك دبّر مكيدة بها يتخلّص من هذا البدويّ..
دعا الوزير البدوي يوما الى قصره فقبل الدعوة ورحّب، وعند الغذاء دعا الوزير ضيفه الى المائدة فأقبل، أشبعه الوزير بأطعمة من كلها يفوح الثوم..
بعد الغذاء تقدّم الوزير من البدوي محذرا وناصحا..حذّره من أن يشم السلطان عليه رائحة الثوم فهو يكرهه ويتأذّى منه، ونصحه أن يضع منديلا على فمه كلّما اقترب منه السلطان أو هو اقترب منه ليحادثه.
قبل البدوي النّصيحة ونفذها، واذا بالسلطان يستريب منه ويرى فيما فعله البدويّ إهانة له فقرّر التخلّص منه..دعاه يوما وسلّم له رسالة وكلّفه بالسفر بها وتبليغها لعامله فلان في بلد كذا..
أخذ البدوي الرسالة، وفي باب القصر اعترضه الوزير فلمّا رآها بيده سأله عنها فأخبره بأمرها..وهنا اشتدّت ظنون الوزير وتحرّك حسده أكثر وهو يتصوّر أن السلطان قرب البدوي منه أكثر – فعرض الوزير على البدوي أن يريحه من تعب السفر وأن يتولى بنفسه إيصال الرسالة الى العامل – بعد الإلحاح قبل البدويّ – وسافر الوزير، وما أن قدّم الرسالة للعامل واطلع على ما فيها حتى أمر بقتل الوزير حسب الوصية التي وردت من السلطان في الرسالة والتي توصي العامل بقتل من يحمل الرسالة إليه..
بعد أيام سأل السلطان عن الوزير فأعلموه بأنه غائب منذ مدّة، وسأل عن البدويّ فأرسلوا إليه ودعوه فأقبل، وبالحديث والحوار اكتشف السرّ ووضع للدرس عنوانا يقول : ( الحسود لا يسود)
الحقد رأس العيوب
*كن كالنخيل عن الأحْفاد مرتفعا : يُؤْذَى برجم فيعطي خير أثمار
*ارحم نفسك من الحقد فإنه عطب نار وأنت الحطب
*دين قديم خير من حقد دفين
*لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب * * * ولا ينال العلا من طبعه الغضب (وأعطني عقلك)