الإنسان والاحسان
لا يستطيع الانسان في حياته أن يقوم وحده بجميع حاجياته، فهو مفتقر لإخوانه مضطر للتعامل معهم ونحن في هذه الحياة لا نستطيع أن نستغني عن بعضنا البعض في تأمين معاشنا وقضاء شؤوننا اليومية إذا فنحن نكمل بعضنا البعض وفي هذا يقول الشاعر “الناس للناس من بدوٍ ومن حضر بعض لبعض وإن لم يشعروا خدمُ”
وما دمنا نحتاج بعضنا البعض فعلى الانسان العاقل أن يعامل الناس بإحسان كما جاء في الأثر “الدين المعاملة” فحسن المعاملة مع الآخر هي سلوك حضاري تجعل الحياة الانسانية يسيرة، وذات نفع وفائدة، وتتمثل في حسن المعاملة مع الناس في أن يعمل الواحد منا على أن يكون محبوبا عند الناس، ولكي يكون محبوبا عليه أن يتعامل معهم بوجه طلق وأن يكون هو المبادر بالتحية والسلام أولا، وعليه أن يحسن الظن بهم ولا يتحدث بمساويهم، وألا يسعى بالوشاية والنميمة بينهم، كذلك عليه أن يعاملهم باحترام مع احترامه لنفسه أولا دون ترفع عنهم والتطاول عليهم أو الغطرسة وشموخ الأنف عملا بقول سيدنا علي بن أبي طالب وهو يوصي إبنه الحسين :
– يا بني إجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فأحب لغيرك ما تحبه لنفسك، واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ولا تقل ما لم تعلم ولا تقل مالا تحب أن يقال لك”
على الانسان أن يكون متواضعا مع المحافظة على كرامته، أي أن يكون متواضعا في غير مذلة أو مسكنة فقدرُ الرجل على قدر همّته وصدقه وعلى قد مروءته وشجاعته وعلى قدر أنفته وعفته وعلى قدر عزة نفسه.
و مقاربة الناس في أخلاقهم أمن من غوائلهم
وقال الشاعر
صن النفس واحملها عمّا يزينها *** تعش سالما والقول فيك جميل
وعلى الانسان العاقل أن يحرص على كسب ود الناس وتقديرهم وأعجز الناس من عجز عن إكتساب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
وقال أيضا : من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه
وقال الشاعر
من كان للخير مناعا فليس له *** على الحقيقة إخوان وأخدان
من سالم الناس يسلم من غوائلهم *** وعاش وهو قرير العين جدلانَ
إذا على الانسان أن يجعل حياته خالصة للمثل العليا التي جاء بها الاسلام خلقا ونبلا وسماحة واستعلاء عن المطامع والصغائر والأهواء فيقدر حساب الله وجزاءه وأن يحافظ على علو همته وايمانه بحاجته للآخرين وحاجة الآخرين إليه مع صدق العاطفة ونقاء السريرة معترفا لأهل الفضل بالفضل ولنا في سيرة رسولنا الكريم صلوات الله عليه ورضوانه المثل الأعلى فقد كان أوقر الناس في مجلسه لا يتكلم في غير حاجة ويعرض عمن يتكلم بغير جميل، وكان ضحكه تبسما وكلامه قصدا لا فضول ولا تقصير، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرا له، واقتداء به، فمجلسه مجلس حلم وحياء، وخير وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تنهك فيه الحرمات
كان يعطي كل واحد من جلسائه نصيبه لا يحب جليسه ان أحدا أكرم عليه منه، قد وسع الناس خلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء.
كريم العشرة، حسن المعاملة رؤوفا رحيما بأصحابه مصداقا لقوله تعالى : “بالمؤمنين رؤُوفٌ رَحيمٌ”
ولقد كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس تواضعا وأبعدهم عن التكبر إذ كان يعود المساكين ويجالس الفقراء ويتفقد أحوالهم ويجلس بين أصحابه مختلطا بهم حيث انتهى به المجلس جلس.
آيــــــــات…وعبر
قال تعالى في سورة الاسراء الآية 37
“ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا”
وقال جل جلاله في سورة فصلت الآية 34-35
” وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ”
وقال تعالي أيضا في سورة الحجرات الآية 11
“ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “
وقال جلّ جلاله أيضا في سورة الحجرات الآية 12
“يَا َ أيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ “
بقلم مختار المومني