أزمة وطنية مجهولة… مقصودة
منذ ما لا يقل عن الثلاثين سنة ونحن في أزمة لم ينتبه لها أحد منذ أن أخذ العالم صورة القرية المتواصلة بعضها ببعض، كنا نظن، ربما منطقيا فقط، أن الهوة بين العالم المتحضر وما يسمى “العالم النامي” ستتقلص رويدا رويدا منذ أن أضحت الانترنات متاحة للجميع اعتقدنا أن العلم والبحث وكل ما هو معلومات مفيدة للبشرية، كل ما يمكنه المساهمة في الارتقاء بطرق الدرس، والتفكير، والنقاش، والتحليل، والتصور والتطبيق سيصبح متاحا بكيفية عادلة بين العالمين.
الهوة لم تتقلص، الهوة زادت. العلم أو الفكر أو الحل يصلنا، وأحيانا جزء بسيط منه فقط، وهذا تصرف ليس بالغريب عن مصدريه وأحيانا بالتواطئ مع قادة مستهلكيه. المفيد وصلنا، فتستهلكه النخبة المثقفة بتعسر، في اطار بحوثها ومتابعتها واطلاعها المتواصل على المستجدات، ثم يجتهد المجتمع المدني “الفاعل الواعي” ليتبناه ويستوعبه ثم يقوم بتأثيث حصص التكوين فيه لتبسيطه ودمقرطته لكن لا هؤلاء ولا الآخرون يكون لهم تأثير، حتى بالقليل الذي وصلهم، والأدهى والأمر أن الدولة تستوعبه ببطء شديد وتتأقلم معه بعد سنين وهذا التأقلم وطريقة التناول والطرح للأسف هي سبب الأزمة:
– أزمة المفاهيم
– أزمة تتسبب فيها الدولة في كل المجالات بدون اقصاء
– أزمة وطنية تساهم الدولة في انتشارها
تتناول الدولة هذا العلم أو المبدأ أو الموضوع أو الاختراع أو الثقافة أو الحل أو الفكر بطريقة “ابو جعفر المنصور والأصمعي” دهاء في العجن والخبز والتخمير، حتى يمل السباقون المتلهفون لظهورها الى النور ويعمم تطبيقها، فيستقبلهم كريكاتوريا من يقوم بدور أبو جعفر المنصور وأنه يعلم ومواكب ولم يفوته شيء كهذا وهو لم يفقه المحتوى ولم يطلع عليه أبدا. وبعد أن تنتشر أخبار التحركات والمطالبة باستعمال هذا المستجد، تسطو على السطح قصيدة صوت صفير البلبل على لسان الدولة لكن التناول ركيك مقيت، أشهر للاستيعاب، أشهر للتقديم، سنوات للتفكير ومثلها للتطبيق، وماهم بمستوعبون ولا هم بالقادرون على التقديم السليم ولا هم مطبقون كما السابقون فاعلون.
بيت القصيد، جاء التجار واللوبيات وقادة الخراب والفساد وسيطروا على القصة وقولبوها في حجم ووزن وتعريف مناسب لهم، مفهوم يحمل في طياته أنانيتهم ومصلحتهم وتجارتهم وأهدافهم وهكذا منذ سنوات هم يفرضون التفكير والتفسير والتطبيق وأقروا مفهوما جديدا لم يكن أبدا ذاك هو المفهوم الصحيح، بل هو مفهوم على المقاس تنظم الدولة وهياكلها المؤتمرات فيدعموها والسهرات لتقديم الفكرة بالمفهوم المخصص للاستهلاك، في المشهد تجد الموظف السامي والوزير للأسف سعداء بالعشاء والصورة الختامية التي تداولها الفايس.
مع هكذا أزمة، حتى وإن أقرت الأمم المتحدة مبدأ المعرفة حق للجميع فالنتيجة واحدة النتيجة أننا لن ننعم أبدا بفكر أو حل أو طرييقة مستجدة مفيدة كما ينعم بها شعوب أخرى لن ننعم بديمقراطية ولا بحكم محلي ولا بلامركزية ولا بأحزاب وطنية ولا بإدارة رقمية لن ننعم بذكاء صناعي ولا بتنمية مستدامة ولا بفلاحة بيولوجية ولا بطاقة بديلة ولا ببنايات ذكية ولن ننعم بمدارس متطورة ولا ببحث يرافق الصناعة ولا بغذاء سليم طالما هم يفرضون علينا المفاهيم الخاصة بنا.
يرحمك يا ابن خلدون ويا بن عاشور.
يرحمك يا ابن خلدون ويا بن عاشور.
أبو محمود