أردّد خرافتي لأتجاوز الإحباط…
أَمَا وقد جرّنا ضغط السياسة إلى أن نطوي العمر مرحلة بمرحلة، ونقضي الحياة يوما بيوم فتمضي أيامنا ساعة بساعة.. أَمَا وقد أصبحنا نقطع مسافة الطريق دون أن نكف عن الالتفات إلى الوراء بعد أن انكشف تطلّعُنا للمستقبل عن مشهد بائس حزين.. أَمَا وقد أصابنا اليأس بعد أن انطفأت في داخلنا شعلة الأمل، وترنحت حياتنا حتى كادت تخبو لولا أن تفجرت الثورة فينا وحولنا فتدفق الوجود من صلب المعاناة تكتنفه أحلام ضاقت بها صدورنا، لذلك هتفنا: حيّى على الحياة، حيى على الأمل، حيى على العمل. ورفرفت أجنحتنا خفاقة في غبطة ساحرة هازئة من ركام الخيبات.. ترى هل وجدنا ذاتنا بعد ضياع، وهل بُعثنا من جديد لأننا أردنا الحياة فاستجاب القدر؟ أم إن الحق الذي جاء ببرهانه توقّفت حركته لأنه عجز عن كنس الباطل الزهوق؟
كنا نصارع اليأس والإحباط، ولما قامت ثورتنا زوَّدتنا بشحنات الصبر الجميل نجابه بها مضاعفات الحراك الثوري ريثما نقنع العالم بأننا طوينا صفحة الماضي بالقطع مع 99,99 العلامة المميزة لنتائج انتخاباتنا، ومن خلال قيام مجلس نيابي بألوان قوس قزح وانبثاق حكومة لم تسلم حتى من معارضة النبع الذي ترتوي منه.. تلك ثمرة الثورة وذلك هو التحول الحق الذي ودعنا به الخطأ وتهيأنا للعمل بالتوكل على الله. فكيف كانت الثورة؟ وكيف كان تصرف باعثيها؟ هل استوى البناء أم انخرم؟ وهل حباه البناؤون بالشكر أم تنطعوا؟
والحقيقة يا ثورتنا انه في يوم تتويجك بسعفة النصر هبت عليكِ وعلينا عاصفة حرّكها أحفاد إبليس ألم يقل جدهم: ” فبعزتك لاُغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلَصين” واعتصرت الأفئدة يومها جرّاء هجمة الغضب والنقم التي انبعثت من ربوع الجنوب الذي قامت الثورة ثارا لحقه المهدور وتضحيات أهله الشجعان وإذا بحبل الأمل يُتْلَفُ بسعير شعلة الصبر.. في يوم البشرى بباكورة ثمارك يا ثورتنا، يوم رفع راية نصرك يأبى إخوان من القائمين على تبليغ صوت الوطن إلا أن يستقبلوا مولودك البكر ببث الغوغاء لطمس ترانيم الفرح.
اُخَيَّنَا، عندما يتداخل الحزن على سقوط أرواح بريئة، مع تداعيات الاختلاف في تقدير قيمة العمل وأهمية قواعده، مع الإفراط في التعبير عن الأنانية والإصرار على تمريغ هيبة الدولةـ لا يمكن أن تجتمع أحاسيسنا حول قاعدة تفاهم مشترك قادر على ضم مشاعر الجميع بلا استثناء إلى جهود الجميع بلا استثناء لنخلّص الوطن من ورطة أوقعه فيها الضالون. وإذا قلنا إن هيبة الدولة مستهدفة فذلك كلام قد لا يروق لبعض القوم، وقد لا يقبل غيرهم الدعوة إلى إعمال العقل ـ لكننا على يقين من أن الرجال الأفذاذ تصنعهم المواقف الجريئة يتبنونها لما تتقاطع بهم السبل، وانه بدون ذلك تصبح الفوضى انعكاسا للخلافات، ويصبح الخوف هاجس الشعب بأكمله فتنصرف النفوس للبحث عن القوة التي تحمي الخائفين.. وأي قوة.؟ إن الدولة فقط هي التي تملك القوة المطلقة لا لحماية زيد أو عمر ولا لنشر السكينة على هؤلاء دون أولئك، وإنما قوتها لحماية القانون ومن لم يجد في صون القانون حمايته وسكينته وحريته وحقه وخبزه وماءه فلا مكان له في منتدى المجتمع المدني، ومن المؤسف أن تكون أداة حِجَاجِنَا لما نختلف ويكون سلاح غضبنا ولغة سجالنا كلمة حق أريد بها باطل.
جنوبنا منكوب ومهمش ما من شك في ذلك وقد يكون بعض أهله ولفيف من نخبه قد استأنسوا بذلك الوضع لان البديل عنه كان مغريا جدا بحيث ترفعوا عن قبول نصيبهم من برامج التنمية لدرجة أنهم أوحوا بان نبضهم الداخلي يقول “اتركونا وشاننا فقد تدبرنا أمرنا..” ولما نزل قضاء الله واستحكمت في الأحداث تشنجات المتخالفين أصبح المتفرجون فرسانا فتهيأ لهم أنهم الأقدر على تعديل خط السير نحو الأفضل.
آه يا بركات رجال الجنوب وحكمائه، يا قاهري قساوة صحرائه ورمالها وظمئها مروضي انفعالات شباب مكلوم وطنين هرج مدعي الزعامات وقادة الفشل.. بركاتكم يا هؤلاء اِعلموا أن واجبكم منصب على حماية المندفعين نحو دهاليز الظلام التي قد تقطع بهم حبل الوصل، فصونوا حزمة عزائمنا حتى لا تنكسر وارسموا أفخر السبل لبلوغ خدمة الشعب والوطن.. وصارحوا وأوضحوا معنى أن تكون خلية أزمة هنا وأخرى هناك وان يكون المطلوب ليَّ ذراع سلطة لم تشغِّل محركها، فان كان الهدف تركيع هيبة الدولة فتلك الكارثة التي استشعرناها من خلال صورة حجبت عنا كل الرؤية، صورة أصابتنا في جوهر سيادتنا كلما انعطف بنا طريق الخلاص، صورة تدعونا في كل مرة إلى رسم حقيقة مؤلمة وهي أن داعش تستمد شرعية وكالتها علينا من لقاء هو مضمون تلك الصورة ـ يجمع على أرضنا رمز السلطة عندنا في ذلك الظرف الأغبر مع حليف داعش على ارض ليبيا فيم أن ذلك الرمز مازال صائلا جوالا وذلك الحليف مازال على عهده في التشيع رغم سيول الدماء. في النهاية.. انه فعلا “ هيبة الدولة قبل الخبز والماء “