مقتطف من كتاب زمن الالوان لعبد الواحد المكني
“يا مطر…يا خالتي”
تجف الارض و يضجر الناس…بسبب الخوف من الجفاف و العطش و تصبح “اليابسة”كابسة و الحياه” يابسة”…و لا تستوي الاحوال فيكثر الكساد و الفساد و تتذرع النسوه للولي طلبا للرحمة و سيول المطر..و يذكّر الشيوخ …صبيانهم و شبابهم بان شح المطر من متوج أفعالهم و نتيجه مروقهم. و رياءهم….تجتمع الصبيات والصبيان بدون موعد…يتجولون في الانهج و الأزقة…منشدين جماعيا…
امك طنقو الشهلوله
انشاله تروح مبلوله
امك طنقو يا لولاد
خلات جبتها في الواد
امك طنقو بسحيبها
طلبت ربي ما يخيبها”
و الاهزوجه طويله و تتغير من جهة الى اخرى بعض كلماتها و طريقة نطقها..
“أمك طنقو يا لولاد غسلت جبّتها في الواد
أمك طنڨو شهلولة إن شاء الله تروّح مبلولة
أمك طنڨو بسخيبها طلبت ربّي لا يخيّبها
أمك طنڨو يا صبايا بالبازين و القلايا
أمك طنڨو يا نساء بالبازين و الحساء
ڨريّن فول ڨريّن فول إن شاء الله يصبح مبلول
وريقة حنّاء وريقة حنّاء إن شاء الله تصبح في الجنّة”
فهي ااحيانا طنقو و احيانا “طنبو”…و في كل الحالات كان الصبية يحملون تمثالا من القماش الملون لمرأه..لا يعرفون عنها الا انها أمّا….لطنقو او طنبو و تمثالها يشبه القاطع و المقطوع فعارضة اللوح الافقيه..الملفوفه بالقماش. و.مشهد اليدين المتعامدتين مع. العمود الفقري….في ما يشبه تمثال”التانيت”في الحضاره القرطاجيه البونيقيه..او الامازيغيه البربريه ..و في الاغنيه التي يرددها الصبيه عبر الازقّه…دعوة لنزول الغيث و. اماني للكبار يحملها الصغار الذين تتم مجازاتهم ببعض البقول و الخضر..يقومون بطهيها بعد الدوريه المخصصة لطلب الإستسقاء..يسمونها في بعض النواحي”خليّطة”…العادةلا تتقاطع مع ثقافة طلب الغيث و التي يخصص لها الكبار صلاة. الغوث و الإستسقاء..اما الصغار فدورهم…هو القيام بتلك الجولة الدعائية الغنائية الصاخبة و المستجدية لماء السماء .
تقسيم بيّن جلي للادوار…الكبار يحتكمون الى الله و الصغار لا يقطعون العاده الموروثة من غابر الأزمنة…و امك “طنقو”على الارجح امن بقايا ذكريات “التانيت”….”طنبو”…عادات موغله في القدم ترسخ عبر النقل الجماعي للذاكرة من جيل الى جيل دون. تفسير و لا تبرير…ذاك هو التراث الشعبي….
و يزرع التونسيون زرعهم “بعليا” بالتناوب مع السقوي…لكن هذا “البعلي”..من اين جاء…اليس نسبة ل”بعل حمون”….منزل المطر….في مخيالهم الزرع البدري يقابله العيدودي ( أو المازوزي) و السقوي يقابله البعلي …
“انشااله تولي بعل”! في. نعت مبالغة لكل. من طغى و تحبر!
و لماذا يتمنى الصبيان ان تعود امك طنبو…مبلوله…..؟و هل فكروا في كل هذا قطعا..لا…
غير ان الاستقصاء الانتروبولوجي يتطلب التجاسر و التفكير…..
و عندما تنزل المطر….يفرح الاطفال. و يترنمون بعده اناشيد :
“يا مطر صبي صبي و الليله عرس القبي” او كذاك
.”يا مطر يا خالتي
صبي على قطايتي
قطايتي مبلوله
بالزيت و الزيتونه
يرحم بابا حسونه
يصرخ بالمقرونه…”
و ينزل المطر…و البلاد…في جوع و في خطر…تسعة اعشار شبابها لا يعرف السيّاب و لا بدر. و لاشاكر و ثمانيه اعشارهم لايفرقون بين السّمَان و العحاف و يسمّون يوسف و لا يعرفون الجُبّ….و يرمون خيبتهم على الذئب…وهو برىء…و لم. يستعذبوا لا غابة النخيل و لا ساعة السحر…منهمكون في “وعي الحالة “و السباب و الضّجر…و القحالة
“مطررمطر مطر
وفي العراق (و تونس ايضا) جوع
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجَرادْ
وتطحن الشّوان والحجرْ
رحىً تدور في الحقول… حولها بشرْ
مطرر…مطر….مطر…”
أمّا عمك حسونه…فهو يمتشق بندقيته مهددا مزمجرا. عابسا لا يريد ان يولي بل يصر على ان يتولى….و يذكركم..بان السيل قادم و عليكم ان تختاروا…بين القبه المؤدية الى “برطال حيدر و برح شاكير”.. ام الى. السرايا التي ترعرع فيها كل المماليك من حيدر الى شاكير و رستم و حسين و خيرالدين و رشيد….
و أفاق..و استفاق….:
“أتعلمين
أيَ حُزنٍ يبعث المطر
وكيف يشعُرُ الوحيدُ فيه بالضَّياع
كأنَّ طِفلاً باتَ يهذي قبل أن ينام
بأن أُمَّه التي أفاقَ مُنذُ عام .. فلم يجدها
ثُم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: بعدَ غدٍ تعود .. لابدَّ أن تعود…”