تقديم الدّورة 25، ألقيت شفويّا بحضور والي الجهة
هكذا نعود إلى “قاعة الأفراح البلديّة” بعد أكثر من ثلاثين سنة لنواصل مسيرة هذا الصّالون بكلّ إصرار. نعود من جديد لرفع شعار “من أجل قاعة عرض للفنون بصفاقس” وكنّا قد رفعناه سنة 1986، في الدّورة الأولى لهذه التظاهرة… وإن لم يكن للزّمن من معنى في زخم وعود التّنمية على ما مرّ من سياسات، فإنّ في إصرار المبدعين التّونسيّين بالجهة وحرصهم على إثبات وجودهم وإسهامهم في نشر الفكر الإبداعي الخلاّق أكثر من معنى… وبعدُ، فقد جرّب الفنّانون كلّ أساليب التّعبير الممكنة في كلّ الفصول المتاحة.
ولا ريب، إنّ المفاهيم الرّائجة للفنّ في البرامج الموعود بها لا تحتكم إلى معنى ملائم لمفهوم الإبداع الفنّي الرّاهن، على النّحو الذي يروم الفنّانون والمنظّرون والنقّاد تكريسه على الأرض. بل كثيرا ما يقع تنظيم معارض للفنون دون أيّ اعتبار للمواصفات العالميّة وأبسط قواعد العرض التي تتصل بمفهوم العمل الفنّي بوصفه كيانا ثقافيّا ومعرفيّا يتطلّب شروطا وتقنيات للعرض…
وإيمانًا بالمكانة المأمولة التي يتحتّم على الفنون التّشكيليّة أن تحظى بها في المشهد الثقافي بصفاقس وتفاعلا مع نداءات المبدعين واستئناف دور الصّالون في إضاءة التّجارب الإبداعيّة ومراكمة الرّؤى وتأسيس المواقف والمشاركة الخلاّقة، تنتظم الدّورة 25 لتظاهرة صالون صفاقس السّنوي للفنون تحت عنوان “الفصل الخــامس” (نسبة إلى قصيدة للشاعر الرّاحل محمّد البقلوطي). فأن نترك أثرا مجديا على هذه الأرض ونضيء شمعة ونفتح معا فصلا جديدا نستمرّ من خلاله، فذلك أفضل من الإنسحاب أو الإقتصار على أن نلعن الظلام في كهوف مظلمة. ذلك هو اختيار هيئة الصّالون… تلك مبادرتنا خدمة لهواجس التّأسيس المستمر وتطلّعات المستقبل، أملا في الإشراق والإشعاع ومقاومة للتّغييب والتّناسي.
أجل، ليس الفنّ رسما لأشكال الحياة بل هو بعث للحياة في الأشكال، بعد أن جمّدتها الحضارة وسطّحها الاستهلاك وهجرتها المعاني. والفعل مستمرّ…
ومهما يكن من أمر، فإنّ في هذه الدّورة فرصة أخرى تُهدى لاستئناف الحضور وتمكين هذا الصّالون من رجاءٍ جديدٍ في الحياة وأملٍ آخر في مسار البناء والتّأسيس. إذ لا مجال لخلق حركيّة في تسويق العمل الفنّي وترويجه دون فضاءات لعرض التّجارب الفنيّة تمكّن من ترابط الأدوار من داخل مقاربة عضويّة وعلائقيّة يتعدّد من خلالها الفاعلون الثقافيّون وتنشط على أساسها منظومة التّرويج، على نحو ما يؤكّد خبراء سوق الفنّ. وقد ارتأينا أن يكون هذا الموضوع محور المنبر الفكري للتّظاهرة بمشاركة الفنّانين والباحثين وأصدقاء الصّالون عامّة. إذ أنّ فهمنا لعلاقة الفنّ بالتّنمية ومشاركته في السّيرورة الاجتماعية لا يستقيم دون مقاربة معرفيّة تستفيد من التّجارب اللاّمعة وتسهم في مراكمة المواقف والقيم. ومن هذا الأفق نفسه، يولي هذا الصّالون للفكر النّقدي ما يستحقّه من مكانة. وعليه، تأتي جائزة النّقد الفنّي، فضلا عن جوائز الفنّانين المشاركين، لدعم المبادرات النقديّة في مجال الفنّ. فلا وجود لإبداع فنّي دون نظر نقديّ بنّاء يستمرّ من خلاله ويحيا.
شكرا جزيلا لبلديّة صفاقس على مشاركتها واستئناف إسناد جائزتها، فيما نأسف هذه السّنة لغياب جائزة الولاية ! تلك التي كانت تُسند منذ بداية التّسعينات. وقد رجعت في الدّورة الفارطة 2017 وأقصيت في هذه السّنة ! ومن جهته، وعد السّيد الوالي بإرجاعها بداية من السّنة القادمة. وشكرا جزيلا لكلّ الفنّانين المشاركين ولأصدقائهم الإعلاميّين ولكافّة أصدقاء هذا الصّالون من صفاقس أو من خارجها. عاشت الثقافة الوطنيّة منارة للبناء والتّأسيس المستمرّ بالجهات.
د. خليل قويـعة
رئيس هيئة صالون صفاقس السّنوي للفنون