الدكتور وجدي عليلة – المالوف بصفاقس: رواية من الذاكرة الحيّة ذات خصوصيّة
في لقاء صُحفيّ مع الدكتور وجدي عليلة، وهو الباحث المختصّ في روايات المالوف التونسي بالبلاد التونسية والأستاذ بالمعهد العالي للموسيقى بصفاقس حدّثنا عن رواية المالوف بصفاقس فقال:
”تشتمل الحياة الموسيقيّة في صفاقس على عدّة أشكال وأنماط مختلفة تعكس ثراء تاريخيّا وثقافيّا وفنيّا للجهة، ولأنّ صفاقس من خلال تاريخها وموقعها الجغرافي شكّلت عامل جذب على مرّ العصور، فقد تجذّرت بها أنواع شتّى من الأنماط الموسيقيّة منها ماهو أصيل ومنها ماهو وافد، واستطاعت أن تعبّر أصدق تعبير عن أحاسيس ومشاعر المجتمع.
ويعدّ فنّ المالوف من بين أبرز الأنماط الغنائية المتوارثة من جيل لآخر مشافهة والذي حافظ في تداوله على بعض من خصائصه الشعرية والموسيقية وحتّى على مستوى التنفيذ فمثّل بذلك خير رصيد موسيقي يعبّر عن ذاكرة حيّة ناقلة لخصائص ومميّزات فنيّة تفرّدت بها جهة صفاقس ليكون لها رواية خاصّة بها في المالوف التونسي تختلف عن الرواية الرسمية (رواية الأسفارالتونسية/رواية الرشيدية) ورواية تستور ورواية بنزرت ورواية قليبية وغيرها من الروايات المتواجدة بالمناطق الحاضنة لهذا الموروث الفنّي بالبلاد التونسية.
تعتبر مدينة صفاقس من بين أبرز المدن التونسيّة التي لها تاريخ عريق في فن المالوف، ذلك أنّ هذه المدينة قد اشتهرت، ومنذ تاريخ قديم، باحتضانها لعديد الأعلام الموسيقيّة التي كان لها الفضل في حفظ وتحفيظ المالوف لدى أجيال متعاقبة. والمالوف في صفاقس شأنه شأن بقية المناطق التونسية الحاضنة لهذا الفن، ينقسم إلى نوعين: الأوّل يسَمّى مالوف “الجِدِّ” والثاني هو مالوف “الهَزْلِ”.
أمّا النوع الأوّل فهو المالوف الذي يُنشد في الطرق الصوفيّة، وصفة “الجِدِّ” هنا اقترنت بالمالوف للدلالة على كلّ ماهو إنشاد لقصائد وأزجال وموشّحات تتّخذ في أغراضها نزعة دينيّة تعبديّة.
إنّ “مالوف الجِدّ” في صفاقس هو ذلك الرصيد الغنائي الذي اقتصر أداؤه في مجالس الإنشاد الصوفي ومن أبرزها مجالس سيدي أبي الحسن الكرّاي التي كانت تضمّ مجموعة من المنشدين المردّدة للعديد من الموشّحات والأزجال والنوبات الملحّنة على نفس أسلوب نوبات المالوف التونسي، إلاّ أنّ الاختلاف يكمن بالأساس في غياب الأقسام الآليّة في النوبة وهي “الإستفتاح” و”المصدّر” و”التوشيّة” وهو أمر طبيعي على اعتبار أنّ “نوبات الجْدِّ” تُنشد بمصاحبة آلات إيقاعيّة فقط.
أمّا مالوف “الهزل” فهو ذلك المالوف الذي يتّخذ من رصيده الغنائيّ أغراضا شعريّة مختلفة تشمل الغزل والخمر وما إلى ذلك من الأغراض المرتبطة بكلّ ماهو دنيوي. ومالوف “الهَزْلِ” في صفاقس هو مالوف متفرّد ومميّز من حيث مضمونه الأدبيّ والموسيقيّ وحتّى على مستوى آدائه، حيث أنّ هذا النمط الغنائي ارتبط بالعديد من الأعلام الموسيقيّة أصيلي المنطقة والذين كان لهم دورا كبيرا في نشر وتحفيظ ما يكنزونه من رصيد غنائيّ أثروا به التراث الموسيقي التونسي بشكل عام.
ومن أبرز المشايخ الذين تداولوا على فن “مالوف الهزل” بصفاقس، وقد أتى على التعريف بهم الأستاذ علي الحشيشة في كتابه السّماع عند الصوفيّة والحياة الموسيقيّة بصفاقس في القرنين التاسع عشر والعشرين، نذكر الشيخ محمد اللوز والشيخ سعيد بالأطرش والشيخ سعيد الزواري والشيخ محمد بركيّة والشيخ محمد بوديّة، ومّما لا شكّ أنّ كلّ هؤلاء المشايخ كان ولا يزال لهم الفضل في الحفاظ على “مالوف الهزل” بصفاقس، حتّى أنّنا صرنا اليوم نتحدّث عن رواية مالوف تختّص بها هذه الجهة عن باقي الجهات التونسية الحاضنة لفن المالوف، وهي رواية سُجّلت في الخزينة الصوتيّة لإذاعة صفاقس فكانت مرجعا لعديد من موسيقيّي الجهة لينهلوا منها ومنطلقا لمشاريعهم العلميّة والفنيّة على حدّ السواء.
· مثال من مالوف “الجِدِّ”
بطايحي في طبع النوى
أَنَا الّذِي بُحْـــتُ باكْتِــــــتَـــــــامِــــــــــي
مِنْ عَظْمِ شَــــــوقِي وَمِحْــــــنَتِي
فِي المُصْطَفَى الهَاشِمِيّ اتِّهَــــــــامِي
قَصْدِي وَذُخْرِي وَبُغْــــيَـــــتِي
بِمَدْحِهِ قَـــــــــدْ حَــــــــــلَى نِظَـــــــــــامِي
مَنْ حَازَ عَقْلِي وَمُهْجَـــــــــتِي
هُوَ الذِّي قَدْ سَــــــــــــكَــنْ فُؤَادِي
المُصْـــــطَــــــــــفَى سَيّــــــــد البَشَر
مَنْ يَعْـشَــــــق المُصطَفَى مرَادِي
كيف يُوجد العَقل والصَّبر
· مثال من مالوف “الهزْل”
شغل في طبع الحسين
الحبُّ في المــــــــِـــــــــــــــــــــلاَحِ
مُبَاحٌ يَا حـَــــــــــبِـــيـــــــــبْ
ألاَ لِكُلِّ لاَحِــــــــــــــــــــــــــــــي
في لهْجِنَا مُــرِيــــــــــــــبْ
طُوبـَـــــــى لِمَــــنْ تَهَـــــتَّـــــكْ
بِالحُسْنِ والجَمـَــــــــــــال
وبالبهَاء تَمَـــــــــــــــســَّــــــــــــك
وفَــازَ بِالــــــوِصـَـــــــــــــــال
مِــنْ دَهْــــــــرِهِ تَمَـــــلّـَــــــــــــــك
لاَ يَشتَكي الـمَطـَـال
واشْـرَبْ عَلَى الصَّبَاحِ
والطّيْرُ عَ القَضِيبْ
لَيْسَ لـَــــــــنَا يَـــا صـــَـــاحِ
وَاشٍ وَلاَ رَقـِـــــــــــيــــــــبْ