رمضان: التقليص من الأغذية غير الصحيّة حماية للصحّة ولجيب المستهلك
ينتهج التونسيون، خلال شهر رمضان، سلوكا يتسم بالإسراف في الاستهلاك إلى حدود التبذير في الوقت، الذّي تشهد فيه قدرتهم الشرائية تدهورا غير مسبوق.
وزاد معدل التضخم في تونس إلى مستويات لم تشهدها البلاد مع توقع بلوغها 11 بالمائة في 2023، بحسب البنك المركزي التونسي، وهو ما يستدعي ترشيد الإنفاق والاستهلاك والتشجيع على سلوك متوازن للحفاظ على الصحّة أولا وللحد من كلفة استهلاك الأسر وتوجيهها إلى أنظمة غذائية صحيّة ومتوازنة.
ويوصي أخصائيو التغذية في البلاد بترشيد الاستهلاك وإتباع أنظمة تغذية سليمة وصحية وصديقة للبيئة ليس فقط في شهر رمضان وإنما في كل الأوقات، خاصّة وأنّ نسبة الخبز من الأطعمة، التّي يتم إهدارها تقدّر ب16 بالمائة ومن فواضل الحبوب والعجين ب10 بالمائة ومن فواضل الخضر بنحو 6 بالمائة، حسب المعهد الوطني للاستهلاك.
وشرحت أخصائيّة التغذية، مهى السيّالة، كيفيّة اختيار أطعمة صحيّة بأقل كلفة، مذكرة بالأمراض، التي تتسبب فيها الأغذية المصنّعة، والتّي تتسم بكثرة الدهون وتحتوي على نسب عالية من الملح والسكر.
وتتسبب عديد الموّاد المصنّعة، وفق السيّالة، في أمراض مثل سرطان الثدي وسرطان الكولون وعديد الأمراض الأخرى كما أن نقص الأملاح المعدنية اللازمة بسبب غياب أنواع من الأطعمة يتسبب، في الكثير من الأحيان، في أمراض مثل فقر الدم.
وكانت دراسة تمّ إعدادها بالتعاون مع المنظمة العالمية للصحّة في تونس، أظهرت منحى تصاعديا لانتشار السمنة خلال العقدين الماضيين. وزاد معدل انتشار السمنة في تونس من 12،2 بالمائة، في عام 2001، إلى 26،2 بالمائة في عام 2016، أي بنسبة نمو ناهزت 115 بالمائة.
ولاحظت مهى السيّالة، بخصوص مرض السمنة أن ” نسبة هذا المرض في ارتفاع متزايد عند الأطفال والمراهقين مما يتسبب في مرض السكري وأمراض القلب والشرايين بالإضافة إلى ضيق التنفس والتهابات المفاصل وغيرها”.
وتابعت، “السمنة تعتبر من أكبر المشاكل الصحيّة، التّي تتسبب في التهابات صامتة وتوجد تغذية محفزة لهذه الالتهابات وأخرى تساعد على التخلص منها على غرار الأسماك الزرقاء كالسردين وبذور الشيا وزريعة الكتان”.
وحسب رأيها، بإمكان التونسيين تفادي مصاريف علاج أمراض مثل السكري والسمنة والسرطانات وأمراض القلب والشرايين، إذا اختاروا جيدا أغذيتهم.
“فعلى سبيل المثال، فإنّ كلفة وجبة فطور الصباح قهوة مع “كرواسون” أرفع من كلفة قطعة من الخبز الكامل وجبنة وقطعة واحدة من الفاكهة وقهوة أو حليب حسب الاختيار”.
ولا تقتصر كلفة الأغذية والوجبات المصنعة، حسب سيالة، على سعرها لدى الشراء بل كلفتها على المدى البعيد والمتمثلة في مصاريف العلاج والأدوية وهو ما يمكن تفاديه وتحقيق مزايا عديدة للفرد وبصفة أشمل للاقتصاد الوطني ولميزانية الدولة.
وتوصي الاخصائية في التغذية بالعودة إلى النظام الغذائي وحمية البحر الأبيض المتوسط، التي تشجع على استهلاك وجبات متكاملة وصحيّة مثل “البرغل” و”الملثوث” و”البسيسة” والابتعاد عن كل الموّاد المصنّعة مثل “الفارينة البيضاء” واللحوم المصنّعة (الجومبون والسلامي…).
ودعت الطبيبة إلى العودة إلى “أطعمة الأجداد”، التّي تحتوي على الحبوب الكاملة والمواد الدهنية الصحيّة من عدس وحمص وشعير… وهي مواد غنية بالألياف والفيتامينات والأملاح المعدنية.
كما نصحت باستهلاك غلال وخضر الموسم مع إمكانية تخزينها بطريقة صحيّة لاستعمالها في وقت آخر مثل الجلبان والطماطم وغيرها.
“تحذير من الرسائل الخاطئة للومضات الاشهاريّة”
وحذرت الإخصائيّة مهى السيّالة من الومضات الإشهارية، التي تقوم بتمرير رسائل خاطئة،على غرار الإشهار المتعلّق بالمشروبات الغازية، التّي يتم تقديمها على أنّها تسهل عمليّة الهضم.
وأوضحت “هذه معلومة خاطئة وعلى العكس من ذلك فالمشروبات الغازيّة تتسبب في الانتفاخات وعسر الهضم ويمكن تعويضها بماء منكه، أي ماء يضاف إليه العطرش أو الزنجبيل”.
وذكرت بالنسق التصاعدي للأمراض المزمنة، التّي تهدد الأجيال القادمة، والتّي مردها النظام الغذائي غير المتوازن وانتشار الأكلات السريعة.
وبالعودة إلى فوائد الصوم الصحيّة، قالت الطبيبة أن الصوم يساعد على تنظيف الجسم من السموم والدهنيات المتراكمة ويقي من الالتهابات كما يعدل نسبة السكر في الدم.
وأوصت بتناول ثلاث وجبات وهي وجبة الإفطار (العشاء) ووجبة ثانية خلال السهر ووجبة “السحور”.
وأشارت إلى أنه يمكن على سبيل المثال خلال الوجبة الأولى تناول قطعة من التمر وشرب كأس من الماء أو الحليب أو اللبن بالإضافة إلى الحساء “الشربة” وصحن سلطة ثم المرور إلى الطبق الرئيسي.
ويمكن توفير البروتين من مصدر نباتي كالحمص والعدس، ف” شربة العدس ” غنية بالفيتامينات والبروتين مع “بريكة” فيها بيض أو تن أو دجاج مع سلطة، تعد وجبة متكاملة وصحيّة.
كما نصحت السيّالة، بالتحكم في كميّات الغذاء، التي يتم تناولها خلال السهرة، فيمكن تناول قطعة واحدة من الغلال، مشيرة إلى أن برتقالة واحدة أفضل من كأس عصير برتقال وهي أقل حريرات وأقل كلفة.
أما بخصوص الحلويات، فنصحت باستهلاك حلويات يتم إعدادها في البيت مع استعمال كميّة من الدهنيات الصحيّة مثل الجلجلان (السمسم) وبذور الشيا و”زريعة الكتان” أو اللوز والجوز بكميّات قليلة. وأوصت، أيضا، بالابتعاد عن المشروبات الغازية و”الزلابية والمخارق” وتعويضها بالمكسرات.
وبخصوص وجبة السحور، نصحت الطبيبة بالعودة إلى العادات التونسيّة التقليدية وتناول “المسفوف”، الذي يتم إعداده باستعمال “الكسكسي” والحليب والقليل من المكسرات والرمان والزبيب والتمر.
وذكرت بأن التمر مصدر للسكريات والبوتاسيوم أما الحليب أو الياغورت فمصدر للبروتينات والغلال تحتوي على الألياف والأملاح المعدنية في حين يقي التمر والموز من العطش كامل اليوم.
واعتبرت أن وجبة السحور، تتكون من “الدرع” وبيضة مسلوقة أو خبز كامل بالجبن وكأس حليب وقطعة من الفاكهة وقهوة حسب الاختيار تعد وجبة كاملة. ودعت إلى تجنب “المقلي” و”السكريات” والأكل المالح في السحور لأنها أطعمة تسيء للجهاز الهضمي وتتسبب في العطش.
وأكدت سيالة على “أن الوعي والتثقيف الغذائي يبدأ من المؤسسات التربوية بدء برياض الأطفال”، مشيرة إلى أن زيادة الوزن لدى الأطفال والمراهقين من شأنها أن تؤثر، أيضا، على الجانب النفسي والذهني.
وعلى الصعيد العالمي، تزايدت نسب الأمراض غير المعدية المرتبطة بالغذاء، حسب منظمة الصحة العالمية التي أقرّت بتسجيل 41 مليون حالة وفاة سنويا، أي بنسبة 74 بالمائة من مجموع الوفيات بسبب السرطان وأمراض القلب والشرايين والسمنة والسكري. ويوجد حسب المصدر ذاته 2،3 مليار طفل أو كهل يعاني من زيادة في الوزن أو السمنة في العالم.