أركان الميراث
الركن الأول : المورّث :
هو الشخص المتوفى سواء كانت الوفاة حقيقية أو حكمية.
فبالنسبة للوفاة الطبيعية:
لم يصدر المشرع أي قانون يعرّف “الموت” و ترك ذلك للسلطة الترتيبية ولأهل الاختصاص من الأطباء إذ أن القانون عدد 22 لسنة 1991 المؤرخ في 25 مارس 1991 المتعلق بأخذ الأعضاء البشرية وزرعها والذي نص بالفصل 15 منه على وجوب معاينة الموت من قبل طبيبين وقد خوّل هذا القانون لوزير الصحة العمومية أن يضبط تعريف الموت وذلك عندما فرض عليه أن يحدد ” الطرق والعلامات الواجب اعتمادها والدالة على حصول الوفاة بصفة نهائية ” وذلك من خلال إصدار منشور لتحديد مفهوم الموت. وقد صدر هذا المنشور بتاريخ 1/8/1991 تحت عدد 1048 تطبيقا لأحكام الفصل 15 من القانون المذكور وتبنى التعريف الأكثر شيوعا للموت حين اعتبر أن الموت يتحقق بتوقف وظائف المخ أو توقف القلب عن الخفقان.
أما بالنسبة للوفاة الحكمية:
فقد نظمها المشرّع التونسي من خلال تنظيمه لحالتي الفقدان والغياب. والفقدان يعني حالة الشخص الذي “انقطع خبره ولا يمكن الكشف عنه حيا” فالمفقود هو من انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كمن ذهب للحرب فلم يعد بعد توقفها ولم يعثر له على جثة أي أنه فقد في ظروف يغلب فيها موته على حياته.
ذلك أن الفقدان يقع في ظروف مهلكة من شأنها أن تدعم احتمال وفاة المفقود خلافا للغائب حيث أنه لا يقع تغليب الوفاة نظرا للظروف العادية التي تم فيها الغياب وقد ورد بالفصل 82 من مجلة الأحوال الشخصية أنه “إذا فقد الشخص في وقت الحرب أو في حالات استثنائية يغلب فيها الموت فإن الحاكم يضرب أجلا لا يتجاوز العامين للبحث عنه ثم يحكم بفقدانه وإذا فقد الشخص في غير تلك الحالات فيفوض أمر المدة التي يحكم بموت المفقود بعدها الى الحاكم بعد التحري بكل الطرق الموصلة الى معرفة إن كان المفقود حيا أو ميتا”. إذا فالاختلاف بين الفقدان والغياب يكمن في الظروف الاستثنائية أو الظروف العادية بمعنى أنه إذا كنا أمام حالات استثنائية نتحدث عن فقدان أما في الحالة المعاكسة فإننا نكون أمام غياب ويختلف كل من الفقدان والغياب عن الموت الطبيعي .
وإذا صدر حكم قضائي باعتبار المفقود ميتا أخذ الفقدان حكم الموت الحقيقي ويقوم حكم الوفاة مقام رسوم الحالة المدنية و يستنتج القاضي قرينة وفاة المفقود أو الغائب من استنفاذ الأبحاث الضرورية دون العثور عليه.
الركن الثاني : الموروث:
هو المال والحقوق التي كانت في الذمة المالية للميت و ستنتقل بموجب الوفاة الى الورثة. لكن الميت يخلّف وراءه تركة جزء منها فقط هو الميراث. لأن التركة تساوي : الذمة المالية بعناصرها الايجابية والسلبية. بينما الميراث هو الجزء الايجابي فقط من التركة. لأن الحقوق المتعلقة بالتركة حسب الفصل 87 م.أ.ش هي خمسة حقوق مرتبة ترتيبا تفاضليا أي حسب تحصيلها من التركة.
فنبدأ أولا: بالحقوق المتعلقة بعين التركة. والمقصود بها كل دين مرتبط بتأمين عين مثل الرهن والامتياز فإذا وجد حق رهن على شيء من التركة فإنه أول حق يقع سداده والباقي من التركة بعد ذلك يقع به…
ثانيا : تسديد مصاريف التجهيز والدفن، فإذا كانت تكاليف تجهيز الميت واجبة على التركة فإنها تؤخذ في المرتبة الثانية ثم يأتي الحق الثالث في الترتيب
ثالثا : الديون الشخصية أي الديون العادية المجردة عن أي ضمان عيني.
ورابعا : تأتي الوصايا في حدود الثلث : أي 3/1 الباقي من التركة بعد سداد الديون ومصاريف التجهيز والدفن. وإذا تزاحمت الوصايا وكان مجموعها أكثر من الثلث يقع تقسيم الثلث حسب النسب بين الوصايا. أما وإذا اجتمعت وصية واجبة ووصية اختيارية قدمت الواجبة على الاختيارية فإن استنفذت الثلث سقطت الوصايا الاختيارية أما إن بقي شيء من الثلث فتنفذ فيه الوصايا الاختيارية .
خامسا : الميراث : وهو العنصر الايجابي الباقي من التركة بعد سداد الديون ومصاريف التجهيز وتنفيذ الوصايا. لأن الميراث حسب الشريعة الإسلامية والقانون التونسي (الفصل 87 م.أ.ش و547 م.أ.ع) ميراث حقوق دون التزامات. فالوارث يأخذ من التركة ما بقي من أموال بعد تطهيرها من الديون.
مثال لكيفية تطبيق أحكام الفصل 87 م.أ.ش أي كيفية توزيع التركة:
توفي شخص وترك تركة تقدر قيمتها بـ 100 ألف دينار. أحد عناصر هذه التركة هو عقار موظف عليه رهن مساوي لقيمته وهي 50 ألف دينار. وبلغت مصاريف التجهيز والدفن 3 آلاف دينار. وترك وصية بـ 3/1 ماله (أي الثلث الباقي بعد أداء الديون). وترك ابنا هو وريثه الوحيد. عند التوزيع: نبدأ بتنقيص قيمة الرهن العقاري وهي 50 ألف دينار. ثم قيمة مصاريف التجهيز أي 3 آلاف دينار. ثم ديون الميت أي 5 آلاف دينار. والباقي بعد سداد ما سبق هو 42 ألف دينار. نأخذ ثلثها للوصية أي 14 ألف دينار. وبهذا نكون قد سددنا جميع العناصر السلبية. والباقي 28 ألف دينار هو الميراث الذي سيأخذه الابن الوحيد. فهكذا توزع التركة دائما. لذلك يمكن القول أن المشرع التونسي يعتبر الميراث شيء والتركة شيء آخر فحسب أحكام الفصل 87 م ا ش فإن الميراث جزء من التركة ينحصر في الجانب الايجابي منها فقط رغم ان هناك من يعتبر أنه لا فرق بينهما وأنهما أمرا واحدا.
والميراث في القانون التونسي وحسب الشريعة الإسلامية وجوبي مبدئيا و يقع بالوفاة ولا يتوقف على قبول الورثة له. فالشريعة الإسلامية لا تجيز الامتناع عن قبول الإرث أو التنازل عنه لأن الميراث سببا من الأسباب الناقلة للملكية من شخص الى آخر دون إرادة أي منهما وبلا توقف على اختيارهم ورضاهم حيث يدخل الشيء الموروث في ملك الوارث جبرا عنه إذا تحقق فيه سبب من أسبابه وانتفت موانعه. فلا يمكن في القانون التونسي رفض الميراث أي لا يمكن لشخص أن يعتبر نفسه غير وارث ولكن بإمكانه أن يتنازل عن نصيبه في الإرث.
‘الركن الثالث : الوارث :
‘ هو الشخص الموجود على قيد الحياة حين موت المورّث والذي توفر فيه سبب من أسباب الإرث ولا يوجد لديه مانع إرث. إذا توجد ثلاثة شروط في الوارث.
الشرط 1 : أن يكون حيا عند موت المورّث.
لذلك إذا توفي عدة أشخاص في حادث واحد ولم نعلم من توفي قبل الآخر فلا توارث بينهما (انظر الفصل 86م.أ.ش) وهو تكريس للقاعدة الفقهية التي تقول : “لا توارث بين الحرقى والغرقة والهدمي”. وهناك إشكاليتان بالنسبة لهذا الشرط: تتعلقان بوضعية المفقود والجنين.
فالمفقود : الذي لم يحكم بوفاته بعد يوقف له نصيبه من الإرث ويوزع الباقي بين الورثة بحسابه موجودا. فإن ظهر حيا أخذه وإن لم يعد وحكم بوفاته أعيد توزيع منابه على الورثة.
أما الجنين أو الحمل يوقف له من التركة النصيب الأكبر فيما إذا كان ذكرا أو أنثى. ويجب حتى يرث الجنين أن يولد حيا. وإذا كان الميراث من غير الأب فيجب أن يولد حيا خلال 270 يوما (مثل من توفي وترك أمه حامل فالميراث هنا يعتبر من غير الأب لأنه ميراث من الأخ ). وإذا كان الميراث من الأب فيجب أن يولد حيا خلال 365 يوما من تاريخ الوفاة أو الطلاق (توفي رجل وترك زوجته حاملا فالميراث هنا يعتبر من الأب لأنه ميراث ابن من ابيه). فإذا توفي شخص وترك أمه حاملا فالمولود لن يرث إلا إذا ولد خلال 270 يوما من الوفاة.
أما إذا توفي وترك زوجته حاملا فالمولود لن يرث إلا إذا ولد خلال 365 يوما من الطلاق أو الوفاة.
الشرط 2 : أن لا يوجد مانع من موانع الإرث.
وموانع الإرث هي حالات تقوم في الشخص فتحول دون ميراثه من الميت رغم توفر أسباب الإرث لديه وهي القتل العمد أو القتل بالتسبيب ( تسبب بإعدامه نتيجة إدلائه بشهادة زور) وكذلك الاشتراك في القتل و محاولة القتل الموجبة للعقاب . لكن إذا تراجع في صورة الشهادة قبل الحكم بالإعدام فإنه لا يحرم من الميراث. لكن صياغة الفصل 88 م ا ش وخاصة استعمال “من” التبعيضية جعلت موقف المشرع التونسي من موانع الإرث يتسم بشيء من الغموض فهذا الفصل المتعلق بموانع الإرث لم يتعرض صراحة إلا إلى مانع وحيد وهو “القتل” ولكنه استخدم أسلوبا غامضا في صياغة النص ذلك أنه أشار إلى أن “القتل العمد من موانع الإرث” .
وحرف “من” الوارد في النص أثار إشكالا كبيرا في التطبيق لأنه يتضمن إشارة إلى وجود موانع أخرى لم يذكرها النص صراحة وهو ما خلق جدلا ونقاشا على مستوى الفقه وفقه القضاء تركز خاصة حول مدى اعتبار اختلاف الدين مانعا من موانع الإرث. واختلاف الدين أو عدم اتحاد الدين بين الوارث والمورّث سواء كان المورث مسلما والوارث غير مسلم أو العكس. فإذا كان المورّث مسلما فإن الوارث الذي له عقيدة مخالفة للعقيدة الإسلامية لا يرثه وهذا ما يؤكده فقه القضاء التونسي. و هو أمر محل اتفاق في الفقه الإسلامي .
أما فيما يتعلق بمسألة ميراث المسلم من تركة غير المسلم فإنه لا يوجد في شأنها موقف صريح في فقه القضاء أما في الفقه الإسلامي فإن المسلم ممنوع من الميراث من تركة غير المسلم وذلك على أساس حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم” . و”لا توارث بين أهل ملتين”
وهناك من يرى أن الموقف الواجب اعتماده عند تأويل الفصل 88 من م.أ.ش. هو المساواة في المعاملة بين المسلم وغير المسلم سواء كان وارثا أو مورّثا “. فهناك إذا رأيان متضاربان ولكل رأي حججه الخاصة.
الشرط 3 : وجود سبب من أسباب الإرث وهما سببان: الزواج والقرابة.
فبالنسبة للزواج : يتوارث الزوجان من بعضهما البعض إذا كان زواجهما صحيحا والميراث بسبب الزواج هو ميراث فرض دائما. الزوج والزوجة لا يرثان من بعضهما إلا إذا كان الزواج صحيحا. أما الولد فيرث ولو كان الزواج باطلا.
أما بالنسبة للقرابة: أي رابطة الدم، فالميراث بالقرابة فيه مبدأ واستثناء : أما المبدأ : فهو أن الوارث هو الشخص الذي يرتبط بالميت مباشرة أو عن طريق ذكر فقط أو ذكر وأنثى معا، أما من يرتبط بالميت عن طريق أنثى فقط فهو غير وارث مبدئيا… وهؤلاء يسمون ذوي الأرحام ولا أرث لهم في م.أ.ش . وأما الاستثناء: فهو يتعلق بوارثين يرثان عن طريق الأم فقط وهما: الإخوة لأم والجدة لأم وإن علت.