فهمي شعبان : تم تدمير قطاع البعث العقاري ومعدل سعر الشقة أصبح 400 ألف دينار
قال فهمي شعبان رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين ان قطاع البعث العقاري في تونس اضحى مستهدفا من طرف حكومات ما بعد الثورة عبر سياسات ممنهجة لتدميره. وعبر في حوار مع موقع “البورصة عربي” عن انشغاله وحيرته من مستقبل هذا القطاع الذي يشغل أكثر من مليون يد عاملة ويساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية. و استعرض شعبان جملة الحلول “العملية” التي قدمتها الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين لإنقاذ القطاع وتمكين التونسيين من تحقيق حلمهم بامتلاك مسكن خاص.
ماهي وضعية قطاع البعث العقاري اليوم؟
بعد الثورة عرفت بلادنا عديد المتغيرات التي كان لها التأثير السلبي على قطاع البعث العقاري حيث عشنا وضعا اقتصاديا مترديا منذ سنة 2012 أثر بدوره على هذا القطاع الذي عرف طفرة واضحة قبل الثورة من أبرز تجلياتها ظهور مناطق سكنية كبيرة وراقية في تونس الكبرى (مناطق النصر، البحيرة 2، البحيرة 3، حدائق المنزه…) وفي كل جهات البلاد وقد ساهمت في تنشيط الدورة الاقتصادية والنسيج الصناعي وكل القطاعات المرتبطة بالبعث العقاري.
ولكن مع الأسف اليوم يعيش هذا القطاع أحلك فتراته ويمكن أن أقول إنه كان مستهدفا من طرف الحكومات التي قادت البلاد بعد الثورة وذلك لأسباب موضوعية وأخرى أعتبرها سياسة ممنهجة لتدميره.
أصدرتم مؤخرا دراسة حول التغيرات التي عرفها القطاع عدتم فيها على أسباب تراجعه، لو تحدد لنا أبرز الأسباب الموضوعية وراء ذلك؟
فعلا أصدرنا في شهر افريل المنقضي دراسة معمقة حول قطاع البعث العقاري أعدها مكتب دراسات معتمد وشاركت في صياغته نخبة من الاقتصاديين وبمتابعة من البنك المركزي ووزارة الاقتصاد والمالية ودفع الاستثمار وقد حددت هذه الدراسة أبرز أسباب تكبيل القطاع وانهياره بعد الثورة.
فأما بخصوص الأسباب الموضوعية فهي ناتجة عن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد من أهمها تأثير انكماش الاقتصاد وتراجع قيمة الدينار وارتفاع كلفة مواد البناء على غرار بقية المواد الى جانب ارتفاع أجور اليد العاملة المختصة وغير المختصة والصعود المتتالي لنسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي من 4 بالمائة لتصل إلى 7.85 بالمائة في بعض الفترات.
كما أشير في هذا الخصوص إلى ارتفاع أسعار خلاص المستلزم العمومي من ربط بشبكات المياه والكهرباء والغاز وصرف صحي واتصالات بحوالي 7 مرات مقارنة بـ 2011. اما الأسباب الممنهجة فقد خلصت الدراسة إلى أن التوجهات الاقتصادية للحاكمين بعد 2011 وقلة درايتهم ومعرفتهم واتباع الحلول السهلة والتي ترتكز على اثقال كاهل المواطن والباعث العقاري بالأداءات والجباية، ساهمت في تدمير قطاع البعث العقاري.
ومن أهم السياسات الخاطئة التي اتبعتها حكومات ما بعد الثورة وساهمت في تردي القطاع العقاري يمكن أن نشير إلى رفع الدعم نهائيا على الطاقة والذي كان له أثر سلبي واضح على كل الباعثين وكل المهن المرتبطة بالبعث العقاري هذا إلى جانب الارتفاع الجنوني لأسعار مواد البناء الأساسية والمواد المرتبطة بها لتتضاعف 3 مرات منذ 2011 فضلا عن خيار تحرير اسعار الاسمنت الذي اتخذ دون الرجوع لأهل الاختصاص وكان الحجر الذي قصم ظهر البعير.
كما يمكن التطرق إلى القرار الذي تم اتخاذه سنة 2013 والذي يقضي بتسجيل العقارات بالمعلوم التصاعدي، بعد أن كان بمعلوم قار سابقا فضلا عن اقرار اجراءات جبائية مجحفة تستهدف الباعث العقاري والمواطن على حد السواء منها بالخصوص الترفيع في قيمة الأداء على القيمة المضافة إلى 13 بالمائة بعد أن كانت في حدود 7 بالمائة، وفرض معلوم استهلاك على مواد بناء أساسية يتم تصديرها باعتبارها مواد غير ضرورية.
ماهي أبرز نتائج انهيار قطاع البعث العقاري؟
يمكن التذكير في هذا الخصوص بأن قطاع البعث العقاري وكل القطاعات المرتبطة به توفر أكثر من مليون موطن شغل وحسب الدراسة التي أصدرناها ترتبط بهذا القطاع أكثر من 300 مهنة ونشاط كان لها دور كبير في تحريك الدورة الاقتصادية وتنمية موارد الدولة وايجاد حلول اقتصادية واجتماعية بدل اللجوء إلى الاقتراض من الخارج والتداين وقد فوتت الحكومات المتتالية بعد الثورة فرصة إنعاش هذا القطاع واتجهت نحو تدميره والقضاء عليه.
اليوم قطاع البعث العقاري صار يبني سوى 3000 وحدة سكنية بعد أن كان الباعثون العقاريون يبنون في السنة حوالي 20 ألف وحدة سكنية، اليوم يواصل 700 باعث عقاري فقط نشاطهم ويعانون الأمرين بعد أن كانوا في حدود 3400 باعث سابقا، انتظروا بعض الوقت وسيصبح سعر المتر مربع المبني في حدود 6 آلاف دينار وسيصبح المواطن يتحسر على السعر الحالي المقدر بـ 2500 دينار للمتر المربع.
الشقة التي كان ثمنها 200 ألف دينار سنة 2011 صار ثمنها اليوم 400 ألف دينار وهو ما سبب ارتفاع في عدد المنازل التي تبحث عن مشترين والتوجه نحو الكراء الذي ارتفع سعره بالتوازي.
ماهي تأثيرات جائحة كورونا على قطاع البعث العقاري؟
طبعا جائحة فيروس كورونا كان لها تأثير على قطاع البعث العقاري على غرار بقية القطاعات إلا أنها زادت الطين بلة وعمقت الأزمة فحسب وليست هي سبب الأزمة، فالسبب الرئيسي لتراجع هذا القطاع هي السياسات الغير مدروسة والاعتباطية للدولة واهمال هذا القطاع الاستراتيجي وعدم وضعه ضمن أولويات السياسة الاقتصادية والمخططات التنموية.
ولكن في المقابل أعتقد أن هذه الجائحة مثلت فرصة لإعادة إنعاش القطاع عبر الاستثمار فيه واصلاح السياسات الخاطئة السابقة خصوصا في ظل تراجع عديد القطاعات الأخرى مثل السياحة والتصدير خصوصا وأنه يمثل قطاعا منتجا يمكن أن يساهم في الناتج المحلي الخام وانقاذ الاقتصاد الوطني الذي تأثر بتداعيات هذه الجائحة.
في ظل تراجع مؤشرات القطاع، هل قدمتم حلولا عملية لإنقاذه؟
طبعا قدمنا عديد الحلول والمقترحات العملية التي من شأنها النهوض بهذا القطاع وكانت لنا عديد اللقاءات وورشات العمل مع أصحاب القرار وبسطنا كل هذه الحلول والبدائل التي يمكن انتهاجها لإصلاح السياسات الخاطئة السابقة ولكن ما من مجيب.
اقترحنا مثلا التقليص في الضغط الجبائي لمجابهة ارتفاع أسعار مواد البناء من خلال الاعفاء الكلي من الأداء على القيمة المضافة لهذه المواد والاعفاء من الأداءات المجحفة على العقارات والرخص التي تثقل كاهل الباعث العقاري والمواطن والتخفيض في المعاليم المشطة لتسجيل العقارات التي أصبحت تنفر المواطن وتسببت في ركود القطاع، وكل هذا لتشجيع الاستثمار في هذا المجال.
طلبنا من كل المتدخلين تيسير إجراءات الحصول على القروض السكنية عبر التخفيض في نسبة الفائدة المديرية المخصصة للسكن إلى حدود 3 أو 4 بالمائة بما فيها الفائدة المخصصة للبنوك على غرار ما معمول به في فرنسا والمغرب ومصر.
كما قدمنا حلولا عملية تساهم في تشجيع المواطنين على تملك منازل منها التخفيض في نسبة التمويل الذاتي إلى 10 بالمائة من كلفة العقار والتمديد في مدة سداد القروض إلى 30 سنة.
وأدعو في هذا الإطار إلى ضرورة استغلال موارد صندوق السكن الذي يساهم فيه كل أجراء القطاعين الخاص والعام والتي تقدر بحوالي 300 مليون دينار وصرفها في عنوانها الأساسي وهو مساعدة التونسيين على اقتناء مساكن بدل صرفها في أبواب أخرى في ميزانية الدولة.
ولا يفوتني في هذا الصدد أن أجدد الدعوة لالغاء العمل بالأمر العلي المؤرخ في 4 جوان 1957 القاضي بحصول الأجانب على رخصة من الوالي لتملك العقارات والذي يعتبر من المخزي تواصل العمل به.
بخصوص رخصة الوالي لتمليك الأجانب تم مؤخرا تنقيح هذا الأمر العلي باتجاه الغاء الرخصة للأجانب؟
فعلا رئيس الحكومة وعدنا بإلغاء رخصة الوالي لتمليك الأجانب وكان عند وعده عبر تنقيح هذا الأمر إلا أننا لا زلنا ننتظر مصادقة مجلس نواب الشعب إلى اليوم.
الغاء رخصة الوالي سيخلق ما يسمى بالسياحة السكنية للتسويق للوجهة التونسية كبلد يستطاب فيه العيش والاستثمار ويمكن استغلال مقومات أخرى مثل السياحة الاستشفائية لتشجيع الأجانب على تملك العقارات وبعث مشاريعهم في تونس.
ما هو تقييمكم لبرنامج المسكن الأول؟
أعتبر ان برنامج المسكن الأول برنامجا رائدا على المستوى الافريقي والعربي وكان نتاجا لإرادة سياسية صادقة سنة 2016، ولكن للأسف البرنامج لم يعط أكله لعدم وجود اجراءات تخفف من الكلفة وتمنح المواطن امكانية اكبر للحصول على القروض إضافة إلى التعطيل الذي حصل في اصدار الأمر النهائي لهذا البرنامج إلى حدود سنة 2019 بسبب البيروقراطية الادارية .
كل هذا ساهم في تعطل البرنامج حيث لم يتم إلى الآن بيع إلا 1250 منزل في إطار هذا البرنامج من جملة 7500 مسكن.
لماذا لم ينخرط الباعثون العقاريون مع القطاع العام في برامج السكن الاجتماعي؟
نحن نشارك القطاع العام في برنامج السكن الاجتماعي إلا أن الاشكال هو تضاعف أسعار العقارات بحوالي 20 مرة وهو ما يسبب خسارة للباعث سواء الخاص أو حتى القطاع العام وهو ما دفعنا إلى المشاركة في البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي في عدة جهات مثل تونس الكبرى ونابل وصفاقس حيث يتم توفير الأرض والبنية التحتية من طرف الدولة في حين يقوم الباعث العقاري بالبناء فقط.
وأريد في هذا الخصوص أن أشير إلى برنامج المنزل الميسر الذي عملنا عليه في الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين والذي سيحدث نقلة نوعية في الخارطة السكنية في تونس في حدود سنة 2030 عبر بناء حوالي 500 ألف مسكن على امتداد 5 سنوات وتمليك معظم العائلات التونسية مساكن خاصة، وقد سعينا لاطلاع رئيس الجمهورية على هذا البرنامج الرائد خصوصا وأن رئيس الجمهورية منتخب لديه امكانية لفرض مثل هذه المشاريع طويلة الأمد كما يعرف بتوجهه الاجتماعي، الا أننا لم نحظى بمقابلة رئيس الجمهورية إلى يومنا هذا.
حاوره حسام الطريقي