الاقتصاد في الغذاء والاكلات التقليدية في زمن الأزمات ” الكورونا نموذجا “
“قيمني تصيبني “، “الي خبى عشاه لغداه ما شمتت فيه عداه “”، “صندوق ما خبى عدو “، خبيه غدوة تلقاه كيف العسل ” … هذه الأمثلة الشعبية وغيرها من المتداول من أقوال الأجداد الراسخة في عمق الذاكر تؤكد أهمية الاقتصاد في استغلال الثروة الغذائية العائلية لاستعمالها في زمن الأزمات
كل هذه الأمثال التي تؤكد على أهمية الادخار لاستغلال المكتسبات الغذائية وغيرها زمن الأزمات على غرار أزمة الكورونا التي خلفت تراجعا كبيرا في الناتج الداخلي الخام التونسي وفي فقدان 430 ألف موطن شغل مؤقت وقلصت دخل الأسر التونسية بنسبة 6ر8 بالمائة لفترة ثلاثة أشهر كانت محور نقاش المتدخلين في المائدة المستديرة لجمعية نكهة بلادي وجمعية مهرجان الزيتونة بصفاقس يوم 2 أكتوبر 2020 حول الاقتصاد العائلي والأكلات التقليدية زمن الأزمات بحضور ثلة من العارفين والمختصين في مجال التغذية والتاريخ والفلاحة على غرار يوسف الشرفي وزاهر كمون ورئيس جمعية مهرجان الزيتونة فوزي الزياني ورئيسة جمعية نكهة بلادي لطيفة خيري
ادخار الغذاء لدى العائلات الصفاقسية
أكد الأستاذ يوسف الشرفي أن المنزل الصفاقسي يتكون من بيوت نوم وبيت الاستقبال والمطبخ والحمام والمطهرة وكذلك بيت المونة ذات الأهمية القصوى في الحياة العائلية حيث والي جانب السكن كانت منازل مدينة صفاقس تلعب دورا اقتصاديا هاما فلا يخلو منزل صفاقسي من مخزن مملوء بالسلع والبضاعات والمأكولات المجففة وال“عولة ” حيث يرتبط فصل الصيف في صفاقس بإعداد وتحضير “العولة” وهي الذخيرة التي تعد في موسم الحر استعدادا لفصل الشتاء، دأب عليها الناس قديما حتى أصبحت عادة موسمية تحرص عليها ربات البيوت لتعمير غرفة المونة
وبين أن للشعير حضورًا قويًّا في المائدة الصفاقسية التقليدية منذ القديم حيث يعتبر من الموروث الغذائي المحلي ويستخرج من الشعير في صفاقس عدة أكلات كالخبز المطبوخ في المنزل “جرادق” ومنه ما يطبخ في الفرن “خبز كوشة” والملثوث ب“الدهان زيت القديد ” ، و بالمرقة وبالبسباس وبالراس والتشيش بالقرنيط أو بالشوابي أو باللحم أو القديد
وتعد عولة الملثوث والبرغل والكسكسي كما قيل في المائدة المستديرة من أشهر وأقدم العادات ذات العلاقة بالتحضير لمواجهة حاجيات فصل الشتاء الغذائية وهي مناسبة اجتماعية، تجتمع فيها النساء لإنتاج مخزون يدخر لشهور عديدة، فيحوّلن بأناملهنّ المواد الفلاحية الخام الى أكلات من الموروث التقليدي و يعتمدن في ذلك مجموعة من الأدوات المنزلية القديمة كالغرابيل والقصاع.
اضافة الى عولة الزميط ذات الأهمية البالغة في صفاقس حيث يتناول الصفاقسيون هذه الأكلة بصفة يومية ولا يتخلون عنها سوى يوم العيد ” شكون راك يا زميط نهار العيد ” والبسيسة، هي أكلة تتكون من حبوب عديدة تحمص وتطحن، يوضع فيها القمح والبقوليات كالحمص والفول المجفف ، ثم تخزن وتستهلك على مدار العام. يتناولها الأهالي صباحا مخلوطة بزيت الزيتون مع التمر
كما تحرص ربات البيوت على إعداد التوابل والبهارات بأيديهن، فيقمن برحي الحبوب بعد تنقيتها من الشوائب والأتربة والحصى صغيرة الحجم وتجفيفها اضافة الى تجفيف بعض الانواع من الاسماك على غرار القرنيط لاستعماله خلال شهر رمضان في وجبة تسمى ’ التشيش ”
وبين الباحث في التاريخ زاهر كمون في تصريح لشمس الجنوب أن الصفاقسي عرف الخبز منذ القديم وان هذه الأكلة ارتبطت بحياته اليومية ارتباطا وثيقا وأنه قام بتعداد أنواع الخبز بمدينة صفاقس فوجد أكثر من 15 نوعا هي ”المبسوط و الخبز الأسمر و خبز الشعير أو الجرادق و خبز السميد و خبز العيد و خبز القطانية و خبز الطليان و خبز نوارة و الطابونة و خبز الغناي و القليط و خبز الشواي و خبز القاعة و خبز اللفيف و خبز القريودي و الرقاق و البية“
وبين أن عديد الأمثال الشعبية ارتبطت بالخبز ك ”خليني نجيب خبزة صغاري“ و ”كل واحد و خبزتو“ و ”ما تبات خبزة عند كواش ” و“اطلق عبستك و ماحاجتي بخبزتك“ و“ كل حد يقول خبزي سخون” …“
العولة كما أكد ذلك المتدخلون في المائدة المستديرة عادة موسمية أوجدها الأهالي لحفظ المواد الغذائية والاستفادة منها على مدار العام وتأمين القوت ودرء خطر الجوع والفاقة. فهي ضرورة اقتصادية واجتماعية في آن واحد ، تساهم في ضبط ميزانية العائلة وتوفير الكثير من المصاريف
مواجل صفاقس كشاهد على حسن التدبير في استغلال مياه الأمطار
أكد الأستاذ يوسف الشرفي أن صفاقس عرفت ب (قرعة العطش) نظر لقلة أمطارها … ولتفادي النقص في المياه وخاصة الصالحة للشرب اعتاد السكان على استعمال “الماجل” لتخزين مياه الأمطار وكان الأهالي يحرصون على حفر الماجل ويتعاقدون مع أمهر المختصين في مجال البناء للانجاز كما كانوا يحفرون الآبار السطحية لاستغلال مياهها المالحة في التنظيف والاحتياجات المنزلية المختلفة
وبين أن المدينة جهزت بسقاية في مكان هو عبارة عن ملتقى ومكان تجمع المياه يعرف بالناصرية نسبة للأمير الموحدي محمد الناصر بن يعقوب بن عبد المؤمن علي الكومي الذي دخل تونس في 1203 ميلادي وعند مروره بصفاقس وبعد ما لاحظه من معاناة بسبب قلة الماء أذن بإحداث سقاية تحتوي على عدد من المواجل تساوي عدد أيام السنة ليستعمل واحد في كل يوم