لغم الحية يفجر التفاهمات
مرة جديدة تؤكد قيادة حركة حماس، انها ليست جاهزة، ولا مستعدة لإحداث إختراق حقيقي في مسار المصالحة الوطنية. ولعل ما شهده اللقاء الأخير بين وفدي حركتي فتح وحماس يوم الإثنين الماضي الموافق 16 نوفمبر الحالي (2020) في القاهرة يقطع الشك باليقين، ويضع النقاط على الحروف، ويزيل الغشاوة عن عيون الواهمين ب”صدق” نوايا وسياسات” فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين تجاه الشراكة السياسية، وهذا ما شهد عليه الأخوة المصريون مباشرة وعلى ارض الكنانة، حيث بادر خليل الحية في الإجتماع المذكور برفض إجراء الإنتخابات بالتوالي خلال فترة ستة اشهر، كما تم الإتفاق عليه في اسطنبول بين الوفدين في مطلع الثلث الثالث من ايلول / سبتمبر الماضي (2020)، ووضع الذي له من اسمه نصيب خيارين الأول اما ان تجري الإنتخابات بالتزامن (يقصد إنتخابات التشريعي والرئاسة والوطني)، أو تقوم السلطة بإجراء إنتخابات لوحدها دون مشاركة حماس ومن معها، وأرفق الخيار الثاني ب”كرم” زائد منه ومن اقرانه في قيادة الإنقلاب، “انهم لن يعطلوا إجرائها”، وهو ما فجر وأنهى
الحوار والتفاهمات كلها.
مع العلم ان جبريل الرجوب، امين سر اللجنة المركزية لحركة فتح عبر إتصالاته مع كل من اسماعيل هنية، رئيس حركة حماس، وصالح العاروري، نائب رئيس الحركة ابلاغاه موافقتهم على إجراء الإنتخابات بالتوالي، واكدوا تراجعهم عن خيار التزامن. وهذا ما تم إبلاغه للأخوة المصريين، والذين بدورهم ممثلا عنهم اللواء احمد عبد الخالق، قاموا بالإتصال مع الثلاثة هنية والعاروري وخليل الحية، واكدوا جميعا له، انهم ملتزمون بما تم الإتفاق عليه في إسطنبول في ايلول الماضي، اي بالتوالي وخلال ستة اشهر. لكنهم في الإجتماع الإسبوع الماضي عادوا إلى دوامة المماطلة والتراجع عن روح الإتفاق، مما أعاد الأمور إلى نقطة بعيدة للوراء، حتى لا استخدم تعبير العودة للمربع صفر. ودفع ممثلو فتح جبريل الرجوب وروحي فتوح أولا للرد على منطق العربدة الحمساوي، والتهرب من الإلتزام بما تم الإتفاق عليه، وثانيا أكدا على ان السلطة الوطنية وحكومتها الشرعية ستتوقف عن تمويل الإنقلاب الأسود، وهذا ما اعلنه اول امس الأثنين الموافق 23/11/2020 ابو وسام في لقائه مع فضائية فلسطين في برنامج “ملف اليوم”.
كما ان الأخوة المصريين، رعاة المصالحة حَّملوا بوضوح لا لبس فيه حركة حماس المسؤولية عن إفشال الحوار، لإنهم اولا تابعوا بشكل مباشر مع اركان الحركة استكناه موقفهم، وثانيا واستنادا الى ما استمعوا اليه من ممثلي الفريقين فتح وحماس، وتأكيدهما على الإتفاق، تم دعوتهما للقاهرة للتوقيع عليه، ومن ثم تحديد مواعيد إجراء الإنتخابات المتوالية، وأخيرا الدعوة لإجتماع للأمناء العامين وإصدار المرسوم الرئاسي للشروع باجراء الإنتخابات بمستوياتها الثلاث. وادركوا للمرة الألف، ان فرع جماعة الأخوان لن يمنحوا مصر شرف النجاح في رعاية المصالحة.
وبناءً عليه، تؤكد الحقائق الموضوعية، إن الإستنتاج العلمي والسياسي لما جرى يشير بوضوح إلى أولا أن حركة حماس ليست مستقلة في قراراتها، وهي اسيرة اجندة التانظيم الدولي للإخوان المسلمين؛ ثانيا تراهن على إمكانية عودة إدارة بايدن الأميركية لخيار إدارة اوباما/ كلينتون (هيلاري) باعادة الإعتبار لدور الإخوان المسلمين في المنطقة؛ ثالثا ان حركة حماس عموما، وقيادة الإنقلاب في قطاع غزة خصوصا ليسوا مستعدين للمصالحة، ولديهم إصرار على المضي قدما في خيار تأبيد الإمارة في غزة على حساب مصالح الشعب العليا؛ رابعا رفض منح الشقيقة الكبرى مصر شرف رعاية المصالحة، وتوقيع الإتفاق على اراضيها، وفي ذات الوقت توجيه لطمة قوية للدور المصري. وهي بذلك تؤكد إنغماسها حتى النخاع مع سياسات التنظيم الدولي للإخوان عموما، وفرع الجماعة في مصر العربية؛ سادسا الإصرار على الهروب للأمام من استحقاقات المصالحة؛ سابعا تغليب مصالح لصوص الشعب المستفيدين من الإنقلاب في غزة.
مع ذلك، اعتقد ان روح الخطاب الإيجابي، الذي إنتهجه الرجوب يوم الأحد الماضي في لقائه الإعلامي، ولم يسقطه فتوح في حواره في ملف اليوم ايضا يبقى مشروعا ومنطقيا، وذلك لقطع الطريق على خيار حركة حماس الإنقلابي، ولمنح الشعب العربي الفلسطيني بعض الأمل، رغم انه بات شبه يائس وفاقد الأمل بالمصالحة نتيجة المراوغة والذرائعية الهروبية الإخوانية الإسلامية.