عمي الحـــــــــاج بقلم : محمد نصير
كان المستشفى مكتظا بالمرضى والمرافقين…كان سوق ودَلاَّل…ناس مشلطة…وناس دايخة…وناس في حالة مزرية من جراء حوادث الطرقات وخاصة حوادث الدراجات…”فُورزا”…حتى ان مستشفى الحبيب بورڤيبة بصفاقس…يحوي قسما لضحايا الحوادث يسميه الساخرون “قسم الفورزة”…
حين وقــف شريول المستشفى أمــامي والشيخ مسجّي فوقــه…ملابسه مغبرة بالتراب ورأســه مغطّى بعمامة يستعملهــا سكان أرياف صفاقس…حين التقت أعيننــا وسمعت أنينه…ابتسمت له مشجعــا…وقلت له مواسيــا :
– لا باس يا حــاج…
رفع رأسه قليلا وقال له وهو يئنّ…
– منين لاباس…هو اللي عندو الفروخ يعرف الراحة
قلت له : الفروخ منين يا حاج…انت ما شاء الله كبرت على الفروخ…
– أولاد أولادي…عانيت الكبار وتوة نعاني في الصغار…الله لا تربحهم…
…وحكى لي الشيخ على معركة حامية الوطيس…بين أحفاده…حضرت فيها العصي والسكاكين والهراوات الغليظة…وتشابكت فيها الأيدي وفشل الجميع في اخماد نار المعركة لهذا تدخل هو طمعا في أن يخجل الأحفاد من جدهم ويكفون عن الخصام…ولكنه وقع في الكماشة بينهم وألقوا به في حفرة قصمت ظهره…وتسببت له في كسر على مستوى الفخذ…لا يمكن علاجه إلا بعملية جراحية عاجلة…ورفض أبناؤه إجراء العملية بالمصحة لأنها باهضة الثمن حوالي أربعة آلاف دينار…وقالوا من أين لنا بأربعة آلاف دينار…وقال لي الشيخ منزعجا :
– قلت لهم بيعوا نصيبا من الزياتين وأدخلوني المصحة، ولكنهم قالوا إذا بعنا الزياتين ماذا تبقى لنا…سوف تشفى يا حاج بحول الله دون عملية جراحية.
وأردف الشيخ : يريدون موتي…اذا لم أجر العملية الجراحية يصيبني التسوس في فخذي وأنا مريض بالسكري…وسوف يقطعون ساقي…ثم…أموت…”الله لا تربحهم…كبار وصغار”
…رفعت رأسي وكان أولاده قد تفرقوا داخل المستشفى…وأحسست بانزعاج شديد…هل وصل بنا بالأمر إلى هذه الحالة المزرية ؟ هل هان الآباء الى هذه الدرجة ؟ هل سقطت القيم والأخلاق وارتفع منسوب المادة…وحب الدنيا…
وأنا في قمة الانزعاج والتفكير بادرني الشيخ قائلا :
– وأنت لا باس ولدي…آش نية هالفاصمة ؟
…ابتسمت للشيخ وأنا أقول له :
– لا باس يا حاج…ضربتني المَرَا…مرتي با حاج
ارتفع رأس الشيخ عن الشريول قليلا وقال لي :
– منين انت يا ولدي
قلت له ضاحكا : من عڤارب…
أنزل رأسه الى الوراء وهو يقول :
– السّاعة العڤاربية رجال…
وأحسست أن الشيخ قد هانت عليه مصيبته وأحس بارتياح شديد…ولكنه رفع رأسه حين كان أبنَاؤه يسحبون الشريول وقال لي هامسا :
– بجاه ربّي…قول الحق…ضُربَاتَكْ المَرَا ؟
قبل أن أجيب…ابتعد الشريول وسمعت الشيخ “الله لا تربحكم كبير وصغير”…فأحسست بغصة وقلت بيني وبين نفسي يصير يا محمد نصير